منذ بداية تمرد عقار – مطلع سبتمبر الحالي – كانت التصريحات الرسمية بكافة مسئولي الحكومة السودانية تؤكد ضرورات الحسم العسكري. ولربما استغرب البعض أو استكثر علي النائب الأول للرئيس السوداني الأستاذ علي عثمان محمد طه أن يؤكد هذه الفرضية إبان زيارته المؤثرة للولاية مؤخراً علي اعتبار أن طه دائماً عرف بأنه أقل حدة في معالجة الأمور. ولكن بالمقابل فان تأكيد طه علي الحسم العسكري وألاّ تفاوض – في الوقت الراهن – مع حملة السلاح هناك هو في حد ذاته وبين طياته تكمن حيثيات هذه الإستراتيجية الحكومية التي أغلقت الباب أمام الحل السلمي قبل بسط سلطان الجيش الحكومي علي كامل التراب السوداني . ففي مقدمة هذه الحيثيات أن الحكومة السودانية التي تتجه لصياغة ملامح مختلفة لما أسماها النائب الأول للرئيس الجمهورية الثانية لا تريد السير علي نهج الماضي بترك كل حامل سلاح يعبث بسلاحه وسط القرى والمدن ويروع الآمنين ليجعل من ذلك مدخلاً له للسلطة والثروة ولعل سؤ حظ المتمردين – عقار والحلو – أنهما كانا جزءاً من تمرد الحركة الشعبية في السابق (قبل نيفاشا 2005), وكان ما تم منحه للحركة حينها لضرورات السلام والاستقرار أكثر مما كانت تحلم به وأكثر مما كان بوسعها تحقيقه عبر السلاح وكل ذلك فيما يبدو قدمته الحكومة السودانية مهراً للسلام وليس من منطلق ضعف أو هرولة نحو إنهاء الحرب, فالحرب كانت بغيضة دون شك ولكنها كانت مفروضة علي الحكومة السودانية لأن من بادر بها هم المتمردون . إذن لا يبدو أن الحكومة السودانية في موقف يجعلها (تعيد إنتاج الماضي وتستعيد سطور التاريخ) وفي السياسة لا يمكن تكرار ذات الموقف, بذات المعطيات والحصول علي ذات النتائج. ثاني الحيثيات أن التمرد نفسه هذه المرة ليس له من مبرر علي الإطلاق, فلو كان تمرد الجنوب مرتبط بمظالم الجنوب التاريخية وتقاطع ثقافته وهويته مع الشمال فان ولايات النيل الأزرق وجنوب كردفان أبعد ما تكون عن ظروف جنوب السودان ومن ثم لا وجه لمقارنتها, بل علي العكس تماماً فان تمرد عقار والحلو يتصل بأمور تخصهما وحدهما كقادة للحركة سواء بسبب فقدان نتيجة الانتخابات بالنسبة للحلو, أو (لأسباب مبهمة) بالنسبة لعقار. ثالث الحيثيات أن الحكومة السودانية تود وضع حد قاطع لصالح الدولة السودانية بأكملها بأن لا يصبح استخدام السلاح – أياً كانت المسببات – جزءاً من الممارسة السياسية, فمن المؤكد أن في ذلك خطورة بالغة علي الدولة السودانية وبقائها, ومن الممكن - إذا ترك الأمر بهذه الصورة - أن يتحول السودان الي لبنان أو صومال ينزلق فيه الجميع باتجاه الفوضى ويفقد الجميع القدرة علي ممارسة حقوقهم السياسية. رابع الحيثيات, أن كل من المتمرد عقار والمتمرد الحلو - وهو أمر مؤسف ولكنه ثابت بالدليل القاطع - يستنِدان في تمردهما علي أجندة خارجية لا تحتاج لأدني ذكاء لإدراكها وهو أمر شديد الخطورة علي سلامة البناء الوطني فالعامل الخارجي حين يمتد الي الداخل السياسي يقضي علي سيادة الدولة ويمزق نسيجها السياسي والاثني والاجتماعي ويعيد السيطرة الأجنبية. وأخيراً فان ضرورات الحسم العسكري تبدو أكثر أهمية في ظل وجود ارتباط واضح كما الشمس ما بين دولة جنوب السودان والمتمردين بما يشير الي أن دولة جنوب السودان – وهي وليد جديد من رحم الدولة الأم جمهورية السودان – تود فرض إرادتها السياسية علي الدولة الأم بطريق آخر, وبخلق امتداد لها داخل الدولة الأم مما يتعذر معه حل الأزمة. وعلي ذلك فان الحسم العسكري في الواقع هو بمثابة حل ناجح للأزمة للقضاء علي مسببات عدم الاستقرار وليس للتشفي أو الانتقام من الحركة الشعبية ذلك أن المؤسف في الأمر أن الحركة الشعبية في الشمال لم تدرك بعد حقائق الواقع!