الجمعة الماضية فقط استطاعت الحكومة السودانية الخروج من معركة طويلة بدأت منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي .. مع المنظمات الدولية..حيث كانت الأممالمتحدة هي ساحة الصراع .. وفى مجلس صغيرة بداخلها هو مجلس حقوق الإنسان الذي يقع مقرة الدائم بجنيف . حيث أعلن في جنيف مساء الجمعة 30 سبتمبر الماضي خروج السودان من دائرة مراقبة ورصد الخبير المستقل لحقوق الإنسان، بعد إجماع المجلس على استبدال اختصاص الخبير والذي كان تحت البند الرابع إلى اختصاص جديد يتمثل في (بناء القدرات وتقديم العون الفني للحكومة، بما يمكنها من الإطلاع بدورها في تعزيز وحماية حقوق الإنسان) . ووصف السفير عبدا لرحيم ضرار، المندوب الدائم للسودان في مجلس حقوق الإنسان، القرار بأنة انتصار للدبلوماسية السودانية وتتويج لجهود وفد الحكومة خلال الاجتماعات الأخيرة للمجلس لإبراز تطور الأوضاع في السودان..فهل كان القرار بالفعل انتصار للدبلوماسية السودانية ؟! تراجيديا الصراع بدأ صراع السودان على الساحات الدولية منذ العام 1992م حين أعلنت واشنطن عن مقاطعة اقتصادية أحادية الجانب للسودان ، وبعدها بدأت(جرجرة ) الخرطوم داخل المحافل الدولية .. وعلى وجه الخصوص اتهاماتها بانتهاك حقوق الإنسان. الاتهامات التي واجهتا الخرطوم انقسمت إلى نوعين .. النوع الأول ..انتهاكات لحقوق الإنسان في مناطق الصراع مثل التطهير العرقي والنزوح القسرى والآبادة الجماعية قتل وسوء معاملة الأسرى (كل هذه الاتهامات ارتبطت بالحرب في دارفور ) وسجن الأطفال ( غزو حركة العدل والمساواة لام درمان) وجرائم ضد الإنسانية ( طرد منظمات إنسانية من أرض النزاع) والنوع الثاني هو انتهاك الحقوق المدنية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وتشمل مصادرة الحريات الشخصية وحرية التعبير والتجمهر، مصادرة الصحف واعتقال الصحفيين، واعتقال السياسيين دون توجيه اتهامات، وإساءات التعامل مع المعتقلين، وغيرها من الاتهامات التي كانت تتردد يومياً في نشرات الفضائيات والإذاعات العالمية. وقد ذكر بعض المنظمات الأجنبية أنها وثقت مجموعة متنوعة من الانتهاكات والفظائع لحقوق الإنسان في السودان، والتي قامت بها حسب زعمهم الحكومة السودانية على مدى السنوات الماضية، وحسب تقارير صدرت من وزارة الخارجية الأمريكية أشير فيها إلى مخاوف جديدة من حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان، من قبل الحكومة ومجموعة المليشيات، سواء كانت في حالة الصراعات المسلحة والتي تشمل الحرب الأهلية التي نتجت بين الشمال والجنوب بجانب أزمة دارفور بين الحكومة وبين من تدعمهم والقبائل المحلية في منطقة دارفور، ولم تكتفي المنظمات بذلك بل أثبت الواقع بما لا يدع مجال للشك تورط هذه المنظمات في أعمال تجسس لصالح جهات أجنبية بجانب دعم حركات مسلحة بالمال والغذاء والعلاج كمنظمة أطباء بلا حدود التي طردت من قبل والى جنوب دارفور عبدا لحميد موسى كاشا. ما من مداجاته بد: المنظمات الأجنبية الغربية كانت شوكة في حلق الحكومة السودانية وانطبق عليها قول الشاعر في السودان ( ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى عدواً ما من مداجاتة بد) فالقبول بعمل تلك المنظمات في مناطق النزاع كان يعنى القبول بها وفق أجندتها التي لا تشمل العمل الانسانى فقط بل تتعداه إلى أعمال أخرى تضر بالسيادة الوطنية .. . كما أن رفض دخولها وحتى طردها بعد السماح لها بالعمل يعد انتهاكاً للقانون الدولي الذي يسمح للمنظمات العالم الإنسانية بالدخول والعمل في مناطق النزاعات وتقديم العون الانسانى للمتضررين .. لذلك مثلت تلك المنظمات شوكة في خاصرة الحكومة منذ بداية تمرد الجنوب وانتهاء بما يحدث ألان من مناطق النزاع الثلاثة (جنوب كرد فان، النيل الأزرق، ابيى) حيث اتهمت الحكومة في أوقات كثيرة عدداً من تلك المنظمات – التي تعاظمت الحاجة إليها باستمرار مع اشتعال فتيل الحرب من ان لآخر في عدد من المناطق – اتهمتها بالعمل ضد مصلحة البلاد عبر التقارير المغلوطة والعمل الاستخبار الذي تقوم به لمصلحة جهات معروفة بعدائها للسودان. والتاريخ يشهد: ورغم بعض المؤشرات على صحة ما تدعيه الخرطوم ..إلا أنها ظلت مجرد تكهنات غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي، وحسب تقارير حكومية قديمة فقد بدا عمل المنظمات بدعم التمرد ضد الخرطوم وإشعال الفتن منذ خمسينيات القرن الماضي، وكان الرئيس إبراهيم عبود قد اصدر قانوناً سودن فيه الوظائف الكنسية ، وقد كان اخطر مما أثير آنذاك هو دعم مجلس الكنائس العالمي لحركة أنانيا الأولى .. التي وجدت الدعم المادي والمعنوي من إسرائيل والمنظمات التي تعمل تحت غطاء النشاط الكنسي، ولم يقتصر الأمر عند ذلك حسب ما نشر من تقارير فقد اشتهر برنامج (شريان الحياة LIFE LINE) الذي كان الغرض الظاهر منه هو إيصال المساعدات للمتأثرين بالحرب بالجنوب .. لكن مواقفه كانت واضحة الانحياز للتمرد وذلك منذ عام1995م رغم أن وجودة في البلاد كان منذ 1989م . المنظمات .. والنشاط الهدام: تعتبر النرويج وهولندا وفرنسا من أكثر الدول التي تغلغلت في البلاد تحت غطاء(المنظمات الداعمة لحقوق المتأثرين بالحرب) واتخذت من ذلك غطاء لممارسة أعمال التجسس والتحريض حسب مصادر حكومية .. بعد أن سبقتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية في ذلك، حيث بدأت منظمات حقوق الإنسان في التحول إلى العمل السياسي وتحريض النازحين واللاجئين تحت غطاء العمل الانسانى ، وقامت بتصوير واخذ شهادات من النازحين لبثها عبر الإعلام الخارجي .. مما افقد تلك المنظمات مصداقيتها لدى الحكومة وبالمقابل كسبت شعبية عالمية ودعماً سياسياً ومادياً غير محدود . ولكن يبدو أن أزمة الحكومة السودانية مع المنظمات الدولية ستستمر حتى بعد خروج السودان من الوصاية الدولية لمجلس حقوق الإنسان.. حيث ستلقى بكثير من ظلالها على رأس العلاقة بين السودان والمجتمع الدولي بما تقدمة من تقارير عن مناطق النزاع .. وقد طالب عدد من القانونين في حديثهم ل (التيار)الحكومة باتخاذ إجراءات قوية ضد المنظمات أو المسؤولين المتورطين في اى نشاط هدام .. حيث قال الأستاذ مروان العبادى المحامى (يجب استبعاد كل ذي صلة أو ملاحقته قانونياً .. ولا يتبقى أن يفهم تساهل الحكومة على أنة تساهل في سيادته الدولة)، في وقت أكد فيه القانوني ياسر محمد الحاج أحقية الحكومة السودانية بالطعن في قيمة اى مستند أو تقرير تم تقديمه للأمم المتحدة ولم يستبعد المؤامرة بأن يكون الأمر اتفاقا ًبين بعض لوبيات المجتمع الدولي وتلك المنظمات . الخطوة التي قام بها عبد الحميد موسى كاشا بطرد بعض المنظمات من ولايته رغم اعتراض وزارة الخارجية عليها إلا أنها فتحت الباب أمام الولايات الأخرى لتحذو ذات الحذو.. حيث اتبعتها ولاية جنوب كردفان بقرار رفض دخول اى منظمة تحت اى غطاء حسب توجيه رئيس الجمهورية والوالي احمد هارون، وبالمقابل عبر ولاية النيل الأزرق عقب إحداثها الأخيرة عن رأيها وقالت على لسان وزير شؤونها الإنسانية وبالحرف الواحد( ما دايرين اى منظمات داخلية أو خارجية وما داريين معسكرات) ومن ثم رفضت أقامت اى معسكرات بالمنطقة خوف من تكرار التجربة . وقد اعتبر بعض المراقبين تلك الخطوة استباقاً من الحكومة للمجتمع الدولي باتخاذها قراراً بمنع دخول المنظمات الدولية إلى المناطق التي شهدت تمرداً في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. لذلك استنفرت الحكومة كل أجهزتها الرسمية والشعبية لتقديم الدعم والعون للمتأثرين من تلك المناطق .. وقد قالت بعض المصادر الحكومية في وزارة الشؤون الإنسانية أن الحكومة تمتلك أدلة دامغة تؤكد تورط بعض المنظمات في الأنشطة الاستخبارية .. وقالت تلك المصادر(كثيراً ما نقوم بطرد منظمات أو إفراد لضلوعهم في نشاط تجسسي لكننا نواجه في اليوم التالي ضغوطاً دولية وانتقادات عنيفة) .. وأضافت (الضغوط تجبرنا في كثير من الأحيان إلى مراجعة قرارات نفذت ضد منظمات أو إفراد يعملون في منظمات أجنبية ثبت ضلوعهم بالأدلة القاطعة في أنشطة لصالح حركات متمردة) .. ورغم ذلك لم تصمت الخرطوم على تلك التقارير التي ترفعها المنظمات .. فحسب حديث الأستاذ محمد بشارة دوسة وزير العدل للمفوضية السامية في جنيف أنة قدم شكوى رسمية ودمغها بعدد من الأمثلة لموظفي منظمات دولية قدموا تقارير مغلوطة ومنحازة مما ضلل مراكز اتخاذ القرار ووضع سمعة السودان على المحك . الدكتور احمد المفتى الخبير القانوني يرى أن العلاقة بين الحكومات والمنظمات الإنسانية الدولية يشوبها الكثير من الحذر، إذا أن الحكومات تعتقد أن المنظمات هي أضلع استخبارتية تعمل تحت الغطاء الانسانى . وقال أن الحكومات كثيراً ما تتفاجأ بتقارير لا تعكس الواقع أعدتها المنظمات مما يشوه صورة الدولة . وأشار في الوقت نفسه أن الحكومات تطلق اتهاماتها لكنها لا تقدم أدلة تقنع بها العالم، وذلك لان المعلومات أصبحت ترد من عدة مصادر . ومن جانبها أكدت وزارة الشؤون الإنسانية تورط منظمات إنسانية في عمل استخباراتى وتجاوزها للاتفاقيات واللوائح المنظمة لعملها خاصة في مناطق النازحين والمناطق ذات التوتر العالي، ومن بين المنظمات التي تم إيقاف نشاطها وطردها من البلاد منظمة(فيالق الرحمة) ومقرها ولاية أوريغون الأمريكية، ومنظمة( كير انتر ناشونال) ومنظمة( أنقذوا الأطفال) الأمريكيتين، ومنظمة (بادكو) التي تعمل في مجال إعادة بناء المناطق التي دمرتها الحرب وقد سمحت الحكومة لهذه المنظمات- طبقاً لجون هولمز وكيل الأممالمتحدة للشؤون الإنسانية- بالعودة إلى السودان ولكن بأسماء وشعارات جديدة ، وكانت قد أصدرت قراراً بطرد 13منظمة اغاثية في العام 2009م لتورطها في مد المحكمة الجنائية الدولية لمعلومات مغلوطة عن طبيعة الإحداث في دارفور . مما تم اعتباره في وقتها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية . والجدير بالذكر أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدةبجنيف كان قد انهي يوم الجمعة الماضي الرقابة الدولية على السودان . حيث قرر المجلس بالإجماع بتغير اختصاص الخبير المستقل لحقوق الإنسان بالسودان واستبداله باختصاص جديد يتمثل في بناء القدرات وتقديم العون لحكومة السودان للاطلاع بدورها في حماية حقوق الإنسان. نقلا عن صحيفة التيار السودانية 3/10/2011م