لا تزال قضية "أبيي"، طافحة على صدر التناول السياسي والإعلامي، وتشكل مثارا للانتقادات المتبادلة بين الخرطوم وجوبا، بسبب عدم اكتمال انتشار قوات حفظ السلام الإثيوبية المتفق عليها بين طرفي الصراع – السودان وجنوب السودان - في يونيو الماضي، لمراقبة وحفظ السلام بالمنطقة، التي انتشر منها حتى الآن نحو 1.800 من عناصرها. ومجددا قطعت القوات المسلحة الجدل القائم حول انسحابها من أبيي، مشترطة اكتمال انتشار القوات الإثيوبية المتفق عليها، وقال الناطق الرسمي العقيد الصوارمي خالد سعد للمركز السوداني للخدمات الصحفية إن اتفاق أديس نص على انسحاب القوات المسلحة وقوات الجيش الشعبي عقب انفتاح القوات الإثيوبية بالمنطقة وإنشاء آليات المراقبة الميدانية على الأرض، مؤكدا عدم قبول أي انسحاب فردي للطرفين دون أن تقف عليه آلية المراقبة المشتركة المتفق عليها باتفاق أديس أبابا والمنحصرة في لجنة المراقبة وإنشاء الإدارة التي تحكم أبيي، مبينا أن القوات المسلحة قد فرغت تماماً من تكوين لجنة المراقبة من جانبها، فيما لم ترد أي تأكيدات من قبل الجيش الشعبي بشأن عضويتهم في الآلية المشار إليها، وأضاف قائلاً "لن ننسحب إلا بالشروط المنصوص عليها في الاتفاق لأن القوات الإثيوبية جاءت لتحمي وليس لتحكم". وفي وقت تعكف عدد من اللجان المشتركة بين حكومتي السودان وجنوب السودان، تم تكوينها خلال الزيارة الرفيعة لرئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير ميارديت للبلاد، حيث شكلت قضية أبيي إحدى أبرز أجندتها في مناقشة القضايا المتبقية بين البلدين لطيها، بحسب ما أكد الرئيس البشير في مؤتمر صحفي في ختام زيارة سلفا كير بأن تلك اللجان ستنجز أعمالها خلال فترة وجيزة ليتم التوقيع النهائي على العديد من الاتفاقيات والاحتفال بحل كافة القضايا بين البلدين في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. يعتزم المبعوث الأمريكي إلى السودان، برنستون ليمان، قيادة مشاورات جديدة بين طرفي الصراع خلال الأيام المقبلة، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن ليمان غادر الولاياتالمتحدة أمس الأول الجمعة المنصرم، للقيام بجولة تشمل السودان وجنوب السودان تهدف لدفع الدولتين إلى حل القضايا العالقة بينهما. وأوضحت الوزارة في بيان أن ليمان ينوي حث الجانبين على صيغة لتصدير النفط الذي ينتج في الجنوب ويصدر عبر ميناء في شمال السودان. كما سيبحث ليمان خلال جولته قضية منطقة أبيي. ومن المقرر أن يتوجه ليمان إلى إثيوبيا لإجراء حوار مع ممثلي الاتحاد الإفريقي بشأن جهودهم لانجاز اتفاق نهائي في السودان. واعتبر اتفاق أديس أبابا، بين الطرفين – السودان وجنوب السودان –، خطوة متقدمة لنزع فتيل التوتر في أبيي، خاصة أن الاتفاق تم التوصل خلاله، بعد مفاوضات مطولة جرت بأديس أبابا، إلى خارطة طريق تضمنت أعطاء أبيي خصوصية، بجانب إعادة تشكيل الإدارية المشرفة على المنطقة. ووقع الجانبان في الثامن من سبتمبر الماضي، بأديس أبابا، على وثيقة اتفاق حددت الحادي عشر من ذات الشهر موعدا لبدء الانسحاب من أبيي، على أن يكتمل الانسحاب النهائي من المنطقة بنهاية شهر سبتمبر نفسه ووضعت الوثيقة التي وقع عليها من جانب الحكومة رئيس اللجنة المشتركة للإشراف على المنطقة، عمر سليمان ومن جانب دولة الجنوب وزير مجلس الوزراء دينق الور، وحددت الوثيقة جداول زمنية لعودة النازحين بجانب تحديد مسارات للرعاة، لكن الاتفاق لم ينفذ لعدم اكتمال نشر القوات الإثيوبية. وعلى اثر ذلك، أقر مجلس الأمن الدولي نهاية يونيو الماضي، بالإجماع قرارا بنشر 4200 جندي إثيوبي في منطقة أبيي لمدة ستة أشهر كفترة أولية، وأكد المجلس في القرار التزامه بسيادة السودان وسلامة أراضيه وبسط الأمن في جميع أنحاء المنطقة. وقرر المجلس أن تتألف القوة من 4 آلاف و200 من الأفراد العسكريين و50 من أفراد الشرطة وعدد مناسب من موظفي الدعم المدني، وتكون أبيي بموجب القرار منطقة خالية من أي قوات عدا أفراد القوة الأمنية المؤقتة ودائرة شرطة أبيي. لكن نشر تلك القوة لم يكتمل بعد، بينما تشترط القوات المسلحة لانسحابها من أبيي، الالتزام بتنفيذ ما نص عليه الاتفاق الذي أبرم بين الجانبين في أديس أبابا في العشرين من يونيو الماضي، وهو ذات ما دفع القوات المسلحة للقول في الثلاثين من الشهر المنصرم، التاريخ المحدد لاكتمال الانسحاب، بأنها ستبقى بالمنطقة لحين اكتمال انتشار قوات المراقبة الأممية، وقال الناطق الرسمي الصوارمي خالد سعد، في تصريحات حينها "إن القوات المسلحة ليست ضد الانسحاب، لكنهم ينتظرون اكتمال انتشار القوات الإثيوبية". لافتا إلى أنه لم ينتشر حتى الآن سوى نصف القوات الإثيوبية، وأكد أن الانسحاب بدون اكتمال انتشار القوات الإثيوبية سيعطل إدارة أبيي، وقال "إن اتفاق إثيوبيا ينص على الانسحاب بعد اكتمال انتشار القوات التابعة للأمم المتحدة"، وأضاف "حتى لا يحدث انفلات إداري فسنبقى في أبيي إلى أن تكمل القوات الإثيوبية الانفتاح على الأرض". واستمع مجلس الأمن الدولي، في السابع من الشهر الجاري، إلى تنوير من وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام، هيرفي لادسو، حول أبيي، وحث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، طرفي الصراع على سحب قواتهما، وحذر من تجدد ما وصفه بالنزاع الخطير في المنطقة، وقال كي مون في تقرير إلى مجلس الأمن "إن على حكومتي البلدين تسريع سحب القوات المسلحة إلى خارج أبيي لأن تثبيت الاستقرار الأمني يعتمد على سحب القوات لتمكين النازحين من العودة"، وحض مجلس الأمن على تشجيع الطرفين على الانخراط في المفاوضات والتوصل إلى إنشاء السلطة الإدارية الجديدة في أبيي لتتخذ خطوات عاجلة لإنشاء جهاز الشرطة، وأعلن أن 1.800 عنصر من القوات الإثيوبية المعروفة اختصارا ب"أونيسفا" انتشروا في أبيي وبدأوا عملياتهم بتفويض مجلس الأمن، وأشار إلى أن المرحلة الثانية من نشر 900 جندي بدأت اعتباراً من آخر سبتمبر الماضي. من جهته، قدم المندوب الدائم للسودان، لدى الأممالمتحدة، السفير دفع الله الحاج علي، بياناً أستعرض من خلاله تطورات الأوضاع في منطقة أبيي، مؤكدا أن القوات المسلحة السودانية لم تذهب إلى أبيي لتبقى إلى الأبد وسوف يتم سحبها ولكن الانسحاب المقصود هو الانسحاب المنظم وبالتزامن مع تطور نشر القوات الإثيوبية حتى لا يحدث فراغاً أمنياً وهذا الغرض الذي حتم دخولها، كما أشار إلى أن ظروف فصل الخريف وعدم وجود طرق معبدة ربما يشكل عقبة أمام حركة الآليات والسيارات التي تقل الجنود والعتاد، مشدداً على ضرورة أخذ كل هذه المعطيات في الحسبان. ودخلت القوات المسلحة إلى أبيي في مايو الماضي، وبسطت كامل سيطرتها على المنطقة وذلك بعد أن تعرضت قافلة مشتركة تضم وحدات من القوات المسلحة بالوحدات المشتركة/ المدمجة وقوات تابعة لبعثة الأممالمتحدة العاملة لحفظ السلام في المنطقة، لكمين نصبه الجيش الشعبي، وكانت القوة في طريقها إلى خارج أبيي، ونشط الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي حينها في مشاورات مكثفة مع الأطراف أسفرت عن الاتفاق على نشر قوات إثيوبية بموجب قرار من مجلس الأمن لمراقبة وحفظ السلام بأبيي. نقلا عن صحيفة الرائد بتاريخ :16/10/2011