لا تزال قضية "أبيي" تشكل مثار مخاوف من أن تقذف بالبلدين الجارتين – السودان وجنوب السودان - إلى أتون حرب لا يستطيع كائنا من كان التنبؤ بمآلاتها وتداعياتها، لاسيما في أعقاب ما تردد وجود حشود كبيرة من الجيش الشعبي التابع لدولة جنوب السودان، قرب "أبيي"، حيث ذكرت تقارير مطلع الأسبوع الماضي، أن قوات الجيش الشعبي تحاصر المنطقة من عدة محاور، وأشارت التقارير كذلك لمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة، وأن ينوي مهاجمة "أبيي." وقد أعادت التقارير المتواترة عن حشود الجيش الشعبي، قضية أبيي، إلى مقدمة الأحداث، وذلك قبيل جولة جديدة من المفاوضات بين دولتي السودان وجنوب السودان، حول القضايا المتبقية على طاولة التفاوض، وعلى رأسها النفط وأبيي وترسيم الحدود بين البلدين، الأمر الذي يكون معه أي تصعيد على الأرض ذا انعكاسات على العملية التفاوضية برمتها، في وقت حذرت الخرطوم، حكومة جوبا من أن أية محاولة لمهاجمة "أبيي"، ستكون قرارا كارثيا عليها، كونها تشكل تنصلا عن الاتفاقية المبرمة بين الطرفين في يونيو الماضي بشأن أزمة المنطقة بينما لا تزال الحكومة السودانية تلتزم به. وجاء تحذير الخرطوم على لسان مساعد رئيس الجمهورية، نائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع، في تصريحات الأربعاء، معتبرا أي محاولة للهجوم على أبيي تعني تنصل جوبا عن الاتفاق المبرم في يونيو الماضي، بين الخرطوموجوبا والذي نشرت بموجبه قوات – إثيوبية – تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة ورصد أية تفلتات يقوم بها أي طرف. وقال نافع "ليس هناك سبب أو مبرر لذلك"، لافتا إلى وجود اتفاق يونيو، بالإضافة إلى أن منطقة أبيي، هي أرض سودانية صرفة بموجب اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، الحاكمة في الجنوب، في التاسع من يناير 2005م، بنيروبي. ورأى الدكتور نافع أن القوات الإثيوبية الموجودة على الأرض تعمل على تنفيذ مهام تابعة للأمم المتحدة إلى حين إنفاذ الترتيبات الإدارية المتفق عليها، الخاصة بالمنطقة وخروج قوات البلدين من المنطقة بصورة كاملة، وأضاف قائلا "أما إذا أرادت الحركة الشعبية أن تفعل غير ذلك وتتحمل تبعات قرارها هذا فسوف يكون قرارا كارثيا عليها." وفي الوقت الذي تترى فيه الأنباء بوجود حشود عسكرية من الجيش الشعبي تتأهب لمهاجمة أبيي، كانت قيادات إدارية المنطقة تنشط في العاصمة الخرطوم، طوال الأسبوع المنصرم، بحثا عن أقصر سبل الاستقرار والتنمية، وقد الوفد الذي يقوده رئيس اللجنة المشتركة المشرفة على منطقة أبيي الخير الفهيم، تقرير مفصلا إلى رئيس الجمهورية، عمر البشير، حول الأوضاع، وقد أصدر البشير توجيهاته بالاستمرار في الحوار مع دولة جنوب السودان، من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن تكوين المؤسسات المدنية والشرطة بمنطقة أبيي من الطرفين، مشددا على ممثلي السودان، عدم التفريط في بنود الاتفاقية الموقعة بأديس أبابا بين السودان ودولة جنوب السودان، في السادس والعشرين من يونيو الماضي. الأنباء عن وجود عسكرية تابعة للجنوب قرب أبيي، أكدها رئيس اللجنة المشتركة المشرفة على منطقة أبيي، الخير الفهيم في تصريحات الأربعاء، واتهم في ذات الوقت حكومة جنوب السودان، بخرق اتفاق السلام وتعطيل عمل الإدارية، مشيرا عقب لقائه رئيس الجمهورية، أن الاجتماع الشهري حول منطقة أبيي، بحضور ممثل الاتحاد الأفريقي، وقائد قوة الأممالمتحدة الأمنية في المنطقة، لم يتوصل إلى نتائج ملموسة حول تعنت حكومة جنوب السودان، وتمسكها بتولي رئاسة الإدارية والمجلس التشريعي في أبيي، خلافا لما نص عليه في اتفاق أديس أبابا، حيث نصت الاتفاقية على أن يتولى السودان، رئاسة الإدارية، بينما يتولى ممثل دولة جنوب السودان، رئاسة المجلس التشريعي، وأن تتكون المؤسسات المدنية والشرطة مناصفة بين الطرفين، ووفقا للفهيم فان حكومة جوبا تريد إبعاد السودان من حصته في شرطة المنطقة، في وقت تم تشكيل شرطة من قبيلة دينكا نقوك ورأى بذلك إشارة بأن حكومة جنوب السودان، تحاول أن تتراجع عن اتفاقية أديس أبابا، لافتا إلى أنه تحدد اجتماع آخر خلال يناير الحالي، لحسم الخلاف ومحاولة التوصل إلى أتفاق وفقا لبنود اتفاقية أديس أبابا. ويأتي التصعيد من قبل الجيش الشعبي، قبيل أيام على استئناف المفاوضات بين الطرفين بأديس أبابا، وقبل نحو أسبوعين لاستئناف المفاوضات بين إدارية المنطقة ومنتسبي الحركة الشعبية من دينكا نقوك، بالخرطوم بحثا عن الوصول لحل سلمي. كما أنها تأتي متزامنة مع وصول وفد دبلوماسي، من دولة جنوب السودان، برئاسة السفير كاونك برفقته خمسة آخرين، بهدف إجراء مباحثات رسمية مع الجانب السوداني، ينتظر أن تنعقد الاثنين المقبل. وفوق هذا يأتي التصعيد في وقت تتدافع فيه الدعوات لإرساء دعائم التعايش السلمي في المنطقة. غير أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، اعتبر من جانبه، بأن ما يتواتر من أنباء عن تحركات للجيش الشعبي بهدف مهاجمة أبيي، لن تغير من الأوضاع السائدة في المنطقة، فى ظل تمسك القوات المسلحة بموقفها الثابت من البقاء بالمنطقة لحين اكتمال انتشار القوات الإثيوبية، وقال رئيس القطاع السياسي بالحزب، للصحفيين "حتى ذلك الحين فان القوات المسلحة ستظل موجودة بابيي ولن تتزحزح." وبالنسبة لحكومة الخرطوم فان القوات المسلحة ستبقى في أبيي ما لم يتم تنفيذ جملة مساءل على رأسها تشكيل إليه مراقبة مشتركة تضم دولتي السودان وجنوب السودان، بجانب الأممالمتحدة، لتتولى مهمة متابعة ومراقبة الأوضاع على الأرض والتحقق من عملية انسحاب القوات وتلقي أية ملاحظات أو شكاوى. وتكوين شرطة خاصة بالمنطقة لتضطلع بمهمة حفظ الأمن، بالإضافة إلى تشكيل إدارية جديدة تقوم بتصريف المهام المدنية والإنسانية، وقد أبلغت الحكومة الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي، بتلك النقاط خلال اجتماع التأم بالخرطوم وضم كل من الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي. كما أبلغت الحكومة اجتماع ثلاثي التأم مؤخرا بالخرطوم، وضم بجانب ممثلي الحكومة، كل من وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، هارفي لادسو، ورئيس البعثة المشتركة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة العاملة في دارفور "يوناميد"، البروفيسور إبراهيم قمباوري ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في السودان هايلي منكريوس، برؤيتها حول أبيي واشتراطاتها لانسحاب القوات المسلحة من المنطقة. وأكدت القوات المسلحة التي سيطرت القوات المسلحة على أبيي في مايو من العام الماضي، بعد هجوم نفذه الجيش الشعبي، بنصبه كمينا استهدف قافلة تضم وحدات من القوات المسلحة ضمن القوات المشتركة/ المدمجة، كانت ترافقها قوات لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة، قرب مدينة أبيي، أكدت مرات متكررة، أنها ليست ضد الانسحاب من أبيي، ولكنها تشترط اكتمال نشر القوات الإثيوبية التابعة للأمم المتحدة بشكل كامل وتكوين آليات للمراقبة. واتفق الطرفان – السودان وجنوب السودان - في يونيو الماضي، على نزع السلاح في أبيي ونشر قوات حفظ سلام إثيوبية تابعة للأمم المتحدة في المنطقة. واقر مجلس الأمن الدولي نشر 4200 جندي إثيوبي في أبيي. وينص اتفاق يونيو على الانسحاب المتزامن للقوتين - القوات المسلحة والجيش الشعبي -، وانسحاب قوات الحركة الشعبية جنوب خط 1/1/1956م والتحقق من ذلك. لكن المتحدث باسم القوات المسلحة، العقيد الصوارمي خالد سعد، لوكالة فرانس برس، اشتراطات لانسحاب القوات المسلحة، أولها أن تكمل القوات الإثيوبية عددها المتفق عليه، والثاني أن تكمل انتشارها في المنطقة"، والشرط الثالث تكوين الإدارة المشتركة لأبيي من الطرفين. وتبقى الإشارة أخيرا، إلى أن الأنباء عن حشود للجيش الشعبي قرب أبيي، من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد سيعقد مهمة المفاوضين في أديس أبابا، كما من شأنه أن ينقل الع نقلاً عن صحيفة الرائد 8/1/2012م