تحليل سياسي زاد فاروق أبو عيسي طين مواقفه السياسية بلاًَ حين أعاد الإقرار بواقع ووقائع ظل الرجل – لسنين ينكرها ويتهرب منها – ولسنا هنا بصدد جلد الرجل سياسياً، فهو على أية حال (رجل ثمانين) فرغت جعبته تماماً من ما هو مفيد لحاضر أو مستقبل السودان، وهو أصلاً لم يعرف له التاريخ السياسي السوداني القريب أو البعيد فضيلة سياسية أو ما يسميه نضالاً يمكن ان يوضع حتى ولو أدني سطر واحد من كتاب التاريخ (يحاجج به) . ففي حوار بصحيفة الرأى العام السودانية – الأحد – أقرَّ ابو عيسي بضعف قوى المعارضة بكاملها، وليس حزباً بعينه ، وأقر بفشل هذه القوى – بعد عقدين من الزمان – فى حسم المواجهة مع الوطني لصالحها. وكان بيت القصيد ان ابو عيسي – وعلى غير العادة – أعرب عن ما أسماه رفضه للإستقواء بالأجنبي (لأن لديه مصالح ولن يتعاون معك) – علي حد تعبيره وأضاف (لا أرتاح فى التعامل مع الاجنبي)! ولم ينكر ابو عيسي – ايضاً وعلى غير العادة – (نشأته و تربيته فى كنف الحزب الشيوعي) على الرغم من أنه ظل فى السابق يتحاشى تماماً الخوض فى هذا الجانب . وتأسف ابو عيسي – ايضاً على غير المعتاد – على تجربته التى كان فى السابق والى عهد قريب يعتزّ بها – و هى مشاركته فى نظام الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، ووصفها بأنها (من أخطائه السياسية) ! هذه (الإقرارات والاعترافات السياسية) مع أنها مجرد تحصيل حاصل لا تقدم ولا تؤخر بالنظر الى (سجل الرجل السياسي) إلا أنها تمثل فى الظروف الحالية دليلاً سياسياً على ان الرجل ضعف واشتعل رأسه السياسي شيباً، ولهذا كان من الغريب – وهو يتبرع بهذه الاعترافات – ان يعرب عن حزنه العميق جراء مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة الميرغني فى الحكومة! أبو عيسي الذى يقرّ بالضعف وعدم القدرة يعيب، بل يحزن على مشاركة حزب سياسي فى حكومة سودانية وطنية ! أبو عيسي الذى يقول ان الوطني (أضاع فرصة العمر) بعدم اتفاقه مع الصادق المهدي، يعتبر مشاركة الاتحادي محزنة! من جانب آخر فان ابو عيسي الذى يرفض الاستقواء بالأجنبي لم يتحلَّ بالشجاعة الكافية حتى نصدق ما قاله ليكشف لنا عن طبيعة علاقاته الخارجية وعلى وجه الخصوص ما رشح مؤخراً من إجرائه (لاتصالات مع السفارة الهولندية)! ذلك أنه ليس كافياً ان يكون الحديث (بالفم وباللسان فقط) عن أمور بالغة الحساسية كهذه، فبإمكان أى شخص ان يقول ما قاله ابو عيسي وبإمكان اى سياسي ان ينفي وينكر اى شيء، ولكن دائماً العبرة والمحك بالحقيقة وبالواقع؛ والسياسي النظيف الثياب النظيف الوجدان بالداخل لا يمكن ان يقف مواقِفاً معادية لبلاده لمجرد اختلافه السياسي مع السلطة الحاكمة، حيث لا يمكن ان تنمحي من ذاكرة السودانيين التحريض والتأليب السياسي الذي مارسه ابو عيسي – طوال فترة (نضاله) بالخارج – ضد السودان، كان من الممكن ان يجد عليها غفراناً من السودانيين لو أنه أقرَّ بها وتعهد بألاّ يعود إليها مستقبلاً، وطالما أنه لم يفعل فسيظل ابو عيسي بذات تلك الثياب العالقة عليها الشوائب مهما حاول تنظيفها دون جدوي !