لا شك ان من الطبيعي – لمن يضع نفسه فى موضع الإذلال – ان يتلقي القدر الذى يستحقه من الإذلال طالما أنه ارتضي اللجوء الى طرف أجنبي ليعينه على بني وطنه. القيادي (اللا منتمي) فاروق أبو عسي سبق وأن أقام الدنيا ولم يقعدها حينما تداولت وسائل الإعلام قبل أسابيع خبر لقائه المشبوه لمسئولين بسفارة غربية معروفة؛ ومضي الرجل أكثر من شوط باتجاه اقتضاء حقه من القضاء تجاه الجهة التى قال أنها أودرت الخبر. الآن ثبت فى حادثة منفصلة – السبت – ان ابو عيسي التقي نائب السفير البريطاني بالخرطوم (مستر توني) وتباحث معه حول الطريقة المثلي لإسقاط النظام! مبدئياً من الصعب جداً ان يتكرر خبر لقاءات ابو عيسي هذه بمسئولين أجانب (فى سفاراتهم) ويكون الخبر مجرد شائعة مشينة لسمعة سياسي عريق ومناضل نظيف السريرة والثياب؛ كما ان تفاصيل الخبر الأخير حملت فى متنها انتقادات من جانب المسئول البريطاني لعموم المعارضة السودانية كونها تسعي لإسقاط النظام وتزعم أنها قادرة وفى الوقت نفسه تدير حوارات مع الحكومة السودانية؛ وقال المسئول البريطاني أنها (مواقف متذبذبة) ! وما من شك ان حديث الدبلوماسي البريطاني علي هذه الشاكلة ومع كونه يتجاوز نطاق عمله الدبلوماسي ويعد تدخلاً فى الشأن السوداني، إلا انه حديث مهين بكل المقاييس لقادة القوى المعارضة، ولعلنا نتساءل هذه المرة عما إذا كان ابو عيسي سوف يعيد الكرة ويتخذ إجراءات جنائية (أخري) حيال الجهة التى أوردت الخبر بذات الطريقة التى انتهجها من قبل، فالأزمة هنا تتصل بفقدان المناعة الوطنية المكتسبة إذ ان قضية إسقاط الحكومة او تغييرها او الحوار معها قضية وطنية محضة لا شأن للأجانب بها. و مع علمنا من سياق تحركات ابو عيسي منذ ان كان في الخارج فى التسعينات أنه شديد الولع فى التشكّى والتظلم (من بلاده) لدي الأجانب، وكانت مقولته الشهيرة المنقولة على الهواء مباشرة منتصف التسعينات للرئيس المخلوع مبارك بأن (يضرب السودان الآن) بمثابة تتويج لنضاله ضد بلاده، إلا أننا مع كل ذلك نفترض ان الرجل يفعل ما يعتقد أنه صواب وأن ذلك من حقه، ولكننا فى ذات الوقت نتساءل عما إذا كان (دعم) الأجانب له فى أمنياته بإسقاط النظام سيكون مجرد عمل خيري، وتبرُّع سياسي سخي لوجه الخير؟ والأدهى وأمرّ من كل ذلك ان ابو عيسي ما عرفت له أروقة العمل الوطني فى السودان عطاء يذكر، فقد ارتبط بمايو فى سنينها الأولي وعرفه الناس من خلالها، ثم ما لبث ان مكث عقوداً بالخارج لا يترك سانحة أو ساحة أو منبراً إلا ووجّه من خلاله أقذع الاتهامات والكلمات ضد بلاده. إن الحق فى معارضة النظام - اى نظام - حق مشروع بداهة، والحق فى منازلة أى سلطة -بشرف وطني- ووفق أى عقيدة يراها المعارض حق مكفول مشروع، ولكن ما ليس حقاً ولا يقبله الوجدان السياسي السليم ولا الفطرة السوية هو ان يكون رهان سياسي – فى هذه السن المتقدمة – على أجانب، ينتظر منهم دعماً وعوناً لإزالة سلطة وطنية قائمة فى بلاده، ولو كان أبو عيسي يعتقد ان هذا أمراً مشروعاً بصفة عامة بحسب ثقافته وعلمه، فان تقاليدنا السودانية ليس فيها مثل هذا السلوك السياسي غير الرشيد، وبوسع الرجل ان يستدعي سطور التاريخ القريب والبعيد لأخذ العظة والعبرة !