إلى أين تمضي التفتيتيّة؟ ألا تحتاج هذه الخطة الجهنّمية إلى تفكير جماعي لإيجاد ردّ الفعل الجماعي المناسب؟ ببساطة: مجموع سني الاستعمار في الجزائروتونس، قرنان وخمسة أعوام . ولكن لم يحدث للبلدين في ذلك الدهر الاستعماري ما حدث للعراق في ثماني سنوات . الخطط الجديدة لها أصالة ومرجعيّة تاريخيّة: إبادة الهنود الحمر . من أعجب العجائب في العالم العربي سهولة ابتلاع الطعم . سرعة الاغترار بسرابات المصطلحات اللامعة الخادعة . هي ذي مسيرة التحرير في العراق . وسوف نرى المسرح العراقي بعد الانسحاب . الأقرب إلى ذهني هو انسحاب العراق . هولاكو ألقى بمكتبة بغداد في دجلة . الآن كل العراق في دجلة . ليبيا هي العراق الثاني . ولكن بلمسات جديدة . ولغتنا عبقرية، تقتصد في الطاقة، تقدّم حرفاً أو تؤخّر آخر، فتصبح الآمال آلاماً . طويت صفحة الآمال بتحوّل الثوار إلى بلاطجة . الآن تبدأ مرحلة الحماية وأبعادها . يعرف التونسيون المعنى الحقيقي للحماية . فقد أطلقت فرنسا على استعمار تونس مسمى جذاباً: “عهد الحماية" . يتخيّل المرء رضيعاً غضّاً في حضن أمه . رضاعة عهد الحماية دامت خمساً وسبعين سنة . بعد الفطام صار النظام يطهو للشعب الحصى في “طبخة بحص" . الرضاعة نفسها كانت مصّاصة فارغة . لكن الشعوب تقاوم . ثمّة مسألة مدوّخة يجب العكوف عليها مستقبلاً في العالم العربي حتى لا تتكرر، وهي أن أنظمة طبائع الاستبداد، التي امتطت ظهور الشعوب بعد الاستعمار، فعلت ما لم يهتدِ هو إلى ممارسته . ففي المغرب والجزائروتونس ومصر وسوريا ولبنان والعراق، لم يعمد المستعمر إلى طمس فئات الفكر والثقافة . ظلّت الأقلام حراباً تقاوم المحتل . بعد الاستقلال جاءت أنظمة أسوأ من المستعمر . رأت أن النخب الفكرية والثقافية هي التي توقظ الشعوب، وكان الحل: يجب إقصاؤها، تحييدها، تجميدها، تبديدها، تهديدها، تقييدها . وكان لها ذلك، ولكن إلى حين، لأن الشعوب تقاوم . يجب ألا ننسى هذه اللازمة في التاريخ، وهي أن الدول عندما تسوء حالها وتدخل مرحلة التداعي، تصبح قابلة للاستعمار . اللمسة الجديدة التي أضيفت عند ظهور مصطلح “النظام العالمي الجديد"، الذي أسميته في حينه “العالم النظاميّ الجديد"، هي أنهم تساءلوا: كيف نجعل الدول قابلة للاستعمار؟ ولم يكن الجواب عسيراً: ندعم الاستبداد ونقمع الأفكار الرائدة، وعندما يستفحل الظلم ويستشري الفساد وتتوقف التنمية، تصبح الدولة فاشلة . عندئذ نفك براغي دعائم النظام، فندخل تحت غطاء التحرير، وتبدأ مسيرة التدمير وإبادة السيادة . لزوم ما يلزم: على كل نظام عربي، بلا استثناء، أن يعكف على علاج مواطن الخلل، حتى لا تصبح سلاحاً في يد الأجنبي . المصدر: الخليج 30/10/2011