لم يكن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما لتجديد العقوبات الاقتصادية التى تفرضها الولاياتالمتحدة على السودان منذ عام 1997 لمدة عام آخر هو غريباً فى حد ذاته ، ذلك ان الحكومة السودانية على أية حال ظلت تتعايش مع عقوبات واشنطن هذه منذ العام 1997. وهى على قناعة بأن أسباب هذه العقوبات – دون أدني شك – سياسية بحتة ! ولكن الأمر الغريب حقاً هو ما أورده الرئيس اوباما فى خطابه المرسل الى الكونغرس بغرض تجديد العقوبات .. قال اوباما فى خطابه بالحرف (إن أعمال وسياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة ، وتمثل تهديداً غير اعتيادي و إستثنائي للأمن القومي و السياسة الخارجية للولايات المتحدة )! ما من شك ان هذه العبارة هى الجور والظلم السياسي بعينه ، فالرئيس اوباما يستهل العبارة بأن سياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة! و هى عبارة فضفاضة و غير دقيقة ، فالسودان هذه الأيام بالذات و ساعة صدور هذا الخطاب كان يتباحث مع الموفد الأمريكي الخاص اسكوت غرايشون الذى يزور الخرطوم منذ ايام و يناقش معه القضايا الحيوية الهامة ، و من البديهي ان السودان لو كان يناهض مصالح الولايات لمتحدة – غير الواضحة هذه – لما استقبل موفد واشنطن الخاص ، وظل يستقبله و يتباحث معه منذ أكثر من عام . بل حتى لو قلنا ان الخرطوم لم تتباحث مع واشنطن فى أى شأن ، كيف أتفق ان(نَسيِت) واشنطن تعاون السودان معها بشأن مكافحة الإرهاب ، والذي أشادت به ادارة بوش الابن أيما إشادة ! هل كانت تلك مصالح خاصة بولايات أخري غير الولاياتالمتحدة . بل نسأل أيهما يهدد مصالح الآخر؟ واشنطن بعقوباتها الظالمة هذه على الخرطوم ، أم الخرطوم التى ما فتئت تستقبل الساسة و المسئولين الأمريكيين و تتباحث معهم سعياً لعلاقة متكافئة ومعقولة؟ و لعل الأغرب إشارة خطاب اوباما لعبارة ان سياسة السودان ( تمثل تهديداً دائماً واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية) ، أنظر الى كلمة دائماً واستثنائي ،فهما كلمتين خارج سياق الواقع ، خاصة و ان كلمة تهديد هى أيضاً غير محددة ،حيث لا يُعرف هل هو تهديد أمني أم اقتصادي أم سياسي و يا تري كيف تشعر دولة تدعي أنها دولة عظمي و يطلق عليها وصف قطب أوحد ان دولة اقل منها قوة تشكل بالنسبة لها تهديداً دائماً واستثنائياً ؟ ان الأمر على هذه الشاكلة ربما كان مصدر فخر للسودان كونه أصبح موازياً للولايات المتحدة ولكن بحسابات الواقع والسياسة فان سياسات السودان هى تعبير عن مصالحه وليست تهديداً للآخرين كباراً كانوا أو صغاراً. لقد كان يكفي الرئيس أوباما (أن يكتب فى خطابه اى شئ) لاستدرار عطف النواب بشأن تجديد العقوبات ، ما عدا العبارات التى كتبها ، فهي عبارات تتناقض مع قناعات البيت الأبيض ولا تستقر فى وجدان نواب الكونغرس ،ولا تقنع المراقبين و تثير سخرية الخرطوم ..من قوة عظمي تهدد الآخرين وتدعي أنهم يهددونها !