اتهمت الخرطوم ، واشنطن بالتراجع عن التزامها رفع العقوبات، وذلك بعد ان قررت الأخيرة تمديد العقوبات التجارية المفروضة منذ 15 عاما على الخرطوم . ووافق الرئيس الاميركي باراك اوباما على تمديد العقوبات لعام آخر الاسبوع المنصرم، معتبرا ان اعمال الحكومة السودانية بحسب زعمه "لا تزال تشكل تهديدا كبيرا للامن القومي وللسياسة الخارجية للولايات المتحدة". واعتبرت وزارة الخارجية السودانية ان قرار تمديد العقوبات الاميركية هو "عقوبات سياسية في الاساس القصد منها وما يزال الاضرار بمصالح شعب السودان". واضافت ان الحظر يفيد المجموعات المسلحة المتمردة وانه يشكل "مخالفة صريحة لمبادىء ميثاق الاممالمتحدة والقانون والاتفاقات الدولية".وجاء في بيان للخارجية السودانية "لقد اعترفت الادارة الاميركية اكثر من مرة بان السودان اوفى بما التزم به الا ان الادارة الاميركية ظلت تنكث المرة تلو الاخرى بالوعود التي تقطعها على نفسها برفع تلك العقوبات". ومعلوم أن تلك العقوبات كانت قد فرضتها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون في شهر نوفمبر 1997 . وكان قد سبق فرض تلك العقوبات ببضع سنوات عندما وضعت إدارة الديمقراطيين نفسها السودان ضمن لائحة الدول إلى ترعى الارهاب، وذلك في خريف عام ،1993 كما صنفت السودان ضمن ما تسمية أمريكا بدول “محور الشر" وهي إيران وسوريا والعراق على أيام صدام حسين، وكوريا الشمالية وليبيا والسودان .وقد ظلت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض تقوم بتجديد تلك العقوبات، رغم عدم أهميتها وتأثيرها في السودان، ولكن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتخذها وسيلة للضغط السياسي والإعلامي علي السودان، أو تدخلها في إطار حسابات داخلية أمريكية تتعلق بالانتخابات على مستوياتها المختلفة، كما فعلت إدارة أوباما خلال الأيام الفائتة . وتحاول الخرطوم إحداث إختراق في ملف علاقتها مع الخرطوم ويتمثل هذا الإختراق في ما كشف عنه مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان، عن وجود اتصالات وترتيبات لإجراء حوار مباشر مع أعضاء الكونغرس الأمريكي حول المواقف العدائية التي تضمرها بعض المجموعات داخل الكونغرس حيال السودان، وقال الطاهر (في تصريحات سابقة) إن هناك مجموعة من المسيحيين الجدد وبعض المجموعات تمسك بملف السودان تتصرف فيه بعدائية ظاهرة، وأضاف بأن تلك المجموعات تغذيها الحركة الشعبية وأصدقاؤها بمعلومات وأجندة معلومة. وقال الطاهر إن بعض الشخصيات كياسر عرمان وباقان أموم درجت على مد الكونغرس بمعلومات عن السودان ما أسفر عنه مواقف عدائية للكونغرس ضد السودان. و المتابع لسير العلاقات الأمريكية السودانية خلال الثلاثين عاماً الماضية، يرى أن لا ضرر يصيب السودان جراء تدهور علاقاته الاقتصادية مع الإدارات الأمريكية، حيث إنه ومنذ عام 1983 لم يتلق السودان منحة من الولاياتالمتحدةالأمريكية تدخل ضمن ميزانيته السنوية، كما يحصل مع كثير من بلدان العالم الثالث . وهذا جعل الحكومات السودانية المتعاقبة في وضع مستقل ومتحرر من أساليب التركيع التي تستخدمها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل وحفز حكومة البشير الحالية كي تتجه شرقاً ناحية الصين وماليزيا وغيرها من الدول التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، كما تفعل أمريكا .وكان لهذا التوجه السوداني الأثر الكبير في تحسن الاقتصاد بصورة ملحوظة في مشاريع التنمية مثل استخراج البترول ومشاريع التنمية المستدامة كمشروع سد مروي لتوليد الكهرباء، وغيرها من المشروعات الزراعية والاقتصادية، والتي تسهم في تحريك الاقتصاد السوداني . عموماً ومهما تكن وعود واشنطن فإن الحقيقة التي ظلت على استمرار هي أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية على السودان صارت متلازمة مع بقاء اسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب منذ العام (1993م)، برغم أن تلك العقوبات لم تُؤثر كثيراً على الاقتصاد السوداني الذي تمكن بحسب تقارير اقتصادية دولية من تحقيق معدلات نمو مدهشة زادت على (10%) في عامي (2006 و2007) حيث سعت الحكومة السودانية إلى مستثمرين آسيويين وخليجيين لاستخراج النفط، وهو ما تحقق لها بعيداً عن تكنولوجيا شركات النفط الأمريكية، ولم يكن قرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما – العام الماضي - لتجديد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولاياتالمتحدة على السودان منذ عام (1997م) لمدة عام آخر هو غريباً في حد ذاته، ذلك أن الحكومة على أية حال ظلت تتعايش مع عقوبات واشنطن هذه منذ العام (1997). وهي على قناعة بأن أسباب هذه العقوبات – دون أدنى شك – سياسية بحتة، ولكن الأمر الغريب حقاً هو ما أورده الرئيس أوباما في خطابه المرسل إلى الكونغرس بغرض تجديد العقوبات، حيث قال أوباما في خطابه بالحرف: (إن أعمال وسياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة، وتمثل تهديداً غير اعتيادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة) وما من شك أن هذه العبارة هي الجور والظلم السياسي بعينه، فالرئيس أوباما يستهل العبارة بأن سياسة النظام السوداني مناهضة لمصالح الولاياتالمتحدة، وهي عبارة فضفاضة وغير دقيقة، فالسودان ساعة صدور هذا الخطاب كان يتباحث مع الموفد الأمريكي الخاص أسكوت غرايشون -حينها - ومازال يناقش معه القضايا الحيوية الهامة، ومن البديهي أن السودان لو كان يناهض مصالح الولاياتالمتحدة – غير الواضحة هذه – لما استقبل موفد واشنطن الخاص، وظل يستقبله ويتباحث معه منذ أكثر من عام.ولنا أن نتساءل: أيهما يُهدد مصالح الآخر؟ واشنطن بعقوباتها هذه على الخرطوم، أم الخرطوم التي ما فتئت تستقبل الساسة والمسئولين الأمريكيين وتتباحث معهم سعياً لعلاقة متكافئة ومعقولة؟ ولعل الأغرب إشارة خطاب أوباما لعبارة أن سياسة السودان (تمثل تهديداً دائماً واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية). ففي إطار تصعيد الولاياتالمتحدة للأزمة بينها والسودان قامت بتخصيص مبلغ 20 مليون دولار في العام 1996م لثلاث دول أفريقية متعاون لإسقاط النظام السوداني في الخرطوم في صورة مساعدات عسكرية وهذه الدول هي إريتريا و يوغندا وإثيوبيا، كما تبنت واشنطن فكرة تشكيل آلية وقوة عسكرية للتدخل لفض النزاعات الأفريقية عبر تكوينها لوبي عن الدول الموالية لها، وهي الآلية التي تشرف عليها أمريكا في يوغندا. وقد فشلت هذه الآلية بسبب التورط اليوغندي في حرب الكنغو، واشتعال الحرب بين إثيوبيا وإريتريا. وفي نوفمبر من العام 1997م فرضت الولاياتالمتحدة منفردة عقوبات اقتصادية على السودان وظلت هذه العقوبات تجدد سنوياً وفي 15 ديسمبر 1997م أتهم السودان أمريكا بأنها فرضت على حركة التمرد إلغاء ما تم التوصل إليه في مفاوضات السلام والتي تقوم تحت رعاية منظمة الإيقاد كما حاولت ترتيب لقاء يجمع بين قرنق والمنشقين عنه في نيويورك. وصرحت في يناير 1998م مادلين أولبرايت الوزيرة السابق للخارجية الأمريكية قائلة: ( لا ينبغي ان تترك هذه المنطقة في إشارة لشرق أفريقيا دون توجيه استراتيجي أمريكي من شأنه ان يؤدي إلى نتائج في مقدمتها قيام عدة دول إسلامية في الشرق الأفريقي، ودعت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في مجلس النواب الأمريكي إلى تشديد العقوبات على السودان بدعوى أن الحكومة السودانية تقوم باستعباد وقتل المواطنين الجنوبيين). وأشارت أولبرايت أثناء جولتها تلك في منطقة الغربالأفريقي ان الولاياتالمتحدة تسعى لإسقاط نظام الخرطوم سلماً أو حرباً.