كان حصاد العام الفائت 2009م وحده من الضحايا والقتلى في جنوب السودان جراء الصراع القبلي الدامي (2500) (ألفان وخمسمائة شخص) بينهم أطفال ونساء، وحوالي (350) ألف نزحوا وشردوا من قراهم ومناطقهم لذات السبب. هذه الاحصائية الحديثة أوردتها (10) منظمات طوعية أجنبية عملت في جنوب السودان ضمن تقرير مطول دفعت به الى الجهات الدولية المهتمة بهذا الشأن، وقال التقرير انه وبعد حوالي خمس سنوات من إنهاء الحرب ووقف اطلاق النار ووجود سلطة حكومية في الجنوب من ذات أبناء الجنوب، فإن كل من الصراع القبلي والفقر والمجاعات والجريمة تفتك بالاستقرار في الاقليم. وقالت احدى المشاركات في اعداد التقرير وتدعى (مايا ميلر) من وكالة أوكسفام إن الشهور الاثني عشرة المقبلة – أي العام الحالي – سيعقبه مفترق طرق مفصلي بالنسبة للوضع العام في جنوب السودان. وفي ذات المنحى قال زعيم الحركة الشعبية التغيير الديمقراطي الدكتور لام أكول ان الجنوبيين يفضلون أيام الحرب على حكم الحركة الشعبية الحالي للجنوب! مشيراً الى التردي الأمني والخدمي المريع الذي يشهده الجنوب. ومع أن هذه الحقائق ظلت ماثلة للعيان ومعروفة سواء للداخل هنا أو في الخارج الا أن من المؤكد بل ومن المهم هنا أن نفهم دوافع التقرير الذي أشرنا اليه أعلاه والذي قدمته المنظمات العشرة المشار اليها، فالتقرير ربما أراد الاشارة الى أن الواقع الحالي للجنوب السوداني لا يصلح لاقامة دولة بالمرة، وأن البحث عن صيغة أخرى للتعايش بين الشمال والجنوب – دون المساس باتفاق نيفاشا 2005 – أصبحت مطلباً ملحاً، ولعل هذه الاشارة مماثلة أو متطابقة مع اشارة أوردتها الولاياتالمتحدة قبل أيام قيل انها طالبت فيها الحركة الشعبية لعدم استعجال فصل جنوب السودان، وتهدئة اللعب قليلاً ولم توضح واشنطن طبيعة أسباب طلبها، وهدفها من هذا الارجاء مع علمها على أن تأجيل استفتاء جنوب السودان أمر صعب بالنسبة للحركة الشعبية، فهي – بحسب ما استبان من سلوكها – ظلت تعمل لمثل هذا اليوم الذي تقرر فيه مصير اقليمها، فقد تكاسلت عن فعل أي شئ سوى تسليح جيشها، ولكن يظل هنالك سؤال يلح على أذهان المراقبين : هل بإمكان الحركة تجاهل النصح الأمريكي والمضي قدماً في عملية الاستفتاء؟ واذا فعلت الحركة ذلك ما هي المترتبات السياسية التي سوف تنتج عن هذا الوضع وكيف سيكون التعامل معها؟ الواقع ان الحركة – مبدئياً – لا تستطيع تجاهل النصح الأمريكي بحال من الأحوال والا فإن لدى واشنطن (الوسائل الكفيلة) بجعلها تمتثل لمطلبها، ومن جهة ثانية فإن الحركة ربما اذا غامرت وأجرت الاستفتاء في موعدها وجاءت النتيجة مخالفة لتوقعاتها واختار المواطنون الجنوبيين الوحدة فسوف تتملكها الحسرة والندامة اللتان لا تجديان ولن يكون في وسع واشنطن حينها فعل شئ لانقاذها! وهكذا، وبعكس ما قد يتصور قادة الحركة، فإن الاستفتاء، والاصرار على فصل جنوب السودان هو في الحقيقة مأزق وقعت فيه الحركة، وتعاني الآن من آثاره، وربما انتبهت لهذا الخطر الماحق بعد فوات الأوان وهذا ما يجعلنا نتوقع أن تقوم بعملية إعادة نظر ولو على استحياء!