تحليل سياسي رئيسي وجدت الأحزاب والقوى السودانية المعارضة نفسها فى موقف يحتم عليها رفض ما يسمي بتحالف القوى الثورية الذى تكون حديثاً من ثلاثة حركات دارفورية مسلحة زائداً الحركة الشعبية. آخر الرافضين للتحالف من الأحزاب المعارضة حزب المؤتمر الشعبي الذى يتزعمه الدكتور حسن الترابي والذي اعتبر أمينه السياسي كمال عمر الأمين ان حمل السلاح مضرّ بقضية الوطن. حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي وإن لم يعلن موقفاً محدداً عقب الإعلان عن التحالف، إلا ان لديه موقف مسبق معلن من العمل المسلح، بل ان حزب الأمة حتى فى قضية إسقاط الحكومة لديه رأي مختلف، حيث ينادي بتغيير السلطة وليس الإسقاط مع الفارق الجوهري الشاسع بين الأمرين. الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الميرغني كان موقفه أكثر وضوحاً بحيث طغي موقفه (العملي) على الموقف النظري وذلك عبر شروعه فى المشاركة فى التشكيلة الحكومية ليصبح جزءاً من السلطة القائمة، بحيث يكون من المستحيل تماماً ان يكون الحزب مؤيداً لتحالف مسلح ينشط ضد سلطة يشارك هو فيها؛ بل حتى لو لم يشارك الحزب فى الحكومة – بصرف النظر عن الأسباب – فهو دون شك على صلة واتصال مع الحزب الحاكم بشأن القضايا الوطنية الكلية وهو ما يحول تماماً دون انخراطه فى عمل جبهوي مسلح أو تأييده له سراً أو علناً. الحزب الشيوعي السوداني - كعادته - يتلكأ فى إعلان موقفه تحت مزاعمه المعروفة التى يستند فيها الى اجتماع مكتبه السياسي ومناقشة الموضوع، ذلك ان (بيروقراطية) الحزب العتيق وصلت درجة عرض دعوة مقدمة إليه من الحزب الوطني للمشاركة فى مؤتمره العام على أجهزته الحزبية لتقرر هل يلبي الدعوة أم يرفضها؟ مع ان الدعوة مجرد مشاركه فى فعالية حزبية وليست فى أجهزة سلطة او حكومة! جبهة التحرير والعدالة الدارفورية الموقعة حديثاً على وثيقة الدوحة لإحلال السلام فى دارفور أعلنت هى الاخري – صراحة – رفضها للتحالف وقطعت بأنه بمثابة إنتاج لأزمة يجري طيّ صفحتها. أحزاب اليسار الاخري بدرجاتها المتفاوتة لزمت الصمت، وإن كان الصمت فى مثل هذه الحالات له دلالاته. وهكذا فان التحالف الجديد- وبعكس ما توقع له مبرموه- بدا معزولاً فى الساحة السودانية؛ بل يمكن القول ان المخاوف والهواجس التى انتابت قوي المعارضة السودانية بدت اعلي درجة – جراء هذا الإعلان– من الحزب الحاكم ويمكن رد هذه المخاوف لعدة اعتبارات، فى مقدمتها ان جميع هذه القوى المعارضة - كل بدرجة ما - جرَّب العمل المسلح مجتمعاً مع آخرين أم منفرد اً وكان الحصاد هشيماً. وربما لم يكن لدي هذه القوى مع ذلك مانعاً من إعادة تجربة العمل المسلح ولكن – لسوء الحظ – الظروف والمعطيات صارت أكثر صعوبة من المتغيرات. الاعتبار الثاني، تتخوف هذه القوى المعارضة مخاوفاً جدية وحقيقية – وربما كانت محقة فى ذلك – من ان تصبح هذه القوى المتحالفة حرباً على الحرية والديمقراطية، بل وحرباً على ذات هذه الأحزاب بصفة خاصة إذا قدر لها ان تحقق أهدافها، فهذه القوى المعارضة رغم مآخذها الحادة على الوطني إلا أنها تعرف فى قرارة نفسها ان الوطني -على الأقل- قطع شوطاً فى التدرج باتجاه التحول الديمقراطي، وقبول الحوار والأخذ والرد، ومسنود بجماهير لا يمكن التقليل منها بحال من الأحوال؛ ومن السهل – بعد عقدين أو عقدين – ان تكون الساحة السياسية قد أصبحت كاملة الدسم ديمقراطياً بعكس الحال إذا ما تقدمت الصفوف هذه الحركات المسلحة . الاعتبار الثالث ان هذه القوى المعارضة (شديدة الوعي والإدراك) رغم أنها لا تصرح بذلك علناً ان هذه الفئة المتحالفة لها ذيول خارجية ثقيلة الوطأة ستجر الوطن الى استحقاقات استخبارية وفواتير باهظة لا أحد فى وسعه سدادها. هذه الاعتبارات مع اعتبارات أخري متنوعة تضافرت لتجعل التحالف الوليد فى نظر الساحة السياسية السودانية قاطبة مجرد حملة سلاح بتمويل خارجي – وأجندات غامضة، ما من عاقل ينساق وراءه، ولعل هذه النقطة المهمة هى التى جعلت المنظمة الدولية تبدي قلقها حيال التحالف وتدعو للحوار، ففي النهاية لا يعدو الأمر كونه عملاً تخريبياً يعيد الكل الى المربع جري تجاوزه ويرهق كاهل المجتمع الدولي فى وقت لم يعد فيه المجتمع الدولي مستعداً لمثل هذه الظروف والأزمات.