الفلسفة التي قامت عليها حرب الجنوب هي أن تكون حرب استنزاف دائمة لحركات الحكومة الوطنية المتعاقبة من استغلال ثروات وموارد البلاد الضخمة. تحقيقاً لتلك الغاية تبنت الصهيونية العالمية حركة الأنانيا الأولى ودعمتها كما صرح بذلك علانية الفريق جوزيف لاقو قائد قوات الأنانيا الأولى. ثم جاءت ذلك الأنانيا (2) بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972م، لقد قام قرنق بسرقة حركة الأنانيا (2) عن طريق تصفية قائدها عبد الله شول وبنى على أنقاضها حركته الشعبية. الآن يتكرر نفس السيناريو حيث قامت الحركة الشعبية بدارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور وانقسمت عنها حركة مناوي بعد مؤتمر حسكنيتة. أخيراً تحالفت حركة عبد الواحد وحركة مناوي وحركة العدل والمساواة مع الحركة الشعبية قطاع الشمال لتكوين الجبهة الثورية السودانية التي تسعى لإسقاط النظام عن طريق القوى العسكرية. حكومة الجنوب هي التي خططت لإنشاء هذا التحالف المشبوه وياسر عرمان هو الذي صاغ بنوده. هذا التحالف يقوده عسكريون غير مؤهلون يجهلون فنون الحرب ولا يوجد في هذا التحالف مفكرون إستراتيجيون لإدارة حرب استنزاف طويلة الأمد تحقيقاً لرغبات القوى الخارجية التي جندتهم لتحقيق أغراضها. مخطط حرب الاستنزاف الجديدة كشف عنه ياسر عرمان بتصريحاته التي أشار فيها إلى أن "وراء كل جنوب قديم جنوب جديد" وتحالف حركات التمرد بدارفور مع الحركة الشعبية قطاع الشمال يمثل الجنوب الجديد التي سيخوض حرب الاستنزاف الجديدة وهذا يعني أن هذا التحالف المشبوه يمثل أجندة خارجية، حيث إن فكرة حرب الاستنزاف هي فكرة خارجية، علينا عدم التقليل من هذا المخطط الدولي الكبير الذي يستهدف تقسيم السودان إلى دويلات صغيرة. إن جناح انفصال الجنوب بأسلوب سلس كما خططت له الإدارة الأمريكية قد شجعها للمُضِي قدماً في تنفيذ مخططها باللجوء لشَد بقية الأطراف الأخرى المطلوب قطعها وضمها لدولة الجنوبالجديدة والدول الأخرى المجاورة وهذه المناطق هي "جنوب كردفان، جنوب النيل الأزرق، ودارفور". إذا ما سارت الأمور على وتيرتها الحالية فإن السودان سيشهد حرب استنزاف جديدة مدمرة يكون مسرحها شمال السودان "جنوب كردفان، جنوب النيل الأزرق، جنوب دارفور" وقد تمتد إلى شرق السودان وقد تقودنا حرب الاستنزاف الجديدة تحت الضغوط إلى توقيع نيفاشا ثانية والعياذة بالله!! المعروف أن حروب الاستنزاف هي أكثر أنواع الحروب خراباً ودماراً للاقتصاد القومي للدول حيث يتم تدمير البنية التحتية وإيقاف عجلة التنمية. حروب الاستنزاف تحتاج للحسم السريع وتجربة الرئيس ميلس زناوي ليست ببعيدة عن الأذهان عندما أشار إلى أنه قد صبر على حربه الحدودية مع اريتريا لمدة عام كامل ولكنه لن يصبر عليها عاماً آخراً حتى لا تتحول إلى جرب استنزاف مدمرة لبلاده. لكل ذلك ينبغي على الدولة أن تتفادى الدخول في أي حرب استنزاف جديدة وهنا لا بد من الوصول إلى حلول سياسية عاجلة. وإذا ما تعذر ذلك فلا بد من اللجوء إلى الحسم العسكري السريع لأن عامل الزمن ليس في صالح حكومة الشمال. الموقف الإقليمي والموقف الدولي قد أصبح مهيأ تماماً ومساعداً في الوصول لحلول عاجلة لقضايا السودان حيث أن الحكومة قد نجحت في تحييد أول دول الجوار الداعمة لحركات التمرد ما عدا حكومة الجنوب وقد يمكن تركيعها عن طريق تنفيذ سياسة الأذى المتبادل. التغيير السياسي الذي طرأ في ليبيا سيساعد كثيراً في تحجيم نشاط حركات التمرد وتجفيف مصدر دعمها الرئيسي. أما الموقف الدولي فإنه يدرك أن تفجير الأوضاع في السودان سيقود إلى تفجير الأوضاع بالقارة الأفريقية؛ حيث أن السودان يقع في قلبها، كما أن عدم الاستقرار بالمنطقة سيؤثر على علاقات التعاون بين الدول الأفريقية والدول العربية، مما ينعكس سلباً على الأمن الإقليمي لكل دول القارة الأفريقية. كما أن عدم الاستقرار سيقود إلى تقسيم المنطقة إلى معسكرين متصارعين وربما يقود ذلك إلى قيام حرب صليبية بالمنطقة. الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفاؤها قد خرجوا من أفغانستان والعراق وهم يجرجرون أذيال الهزيمة ولا يمكن لهم أن يدخلوا في مستنقع جديد. هذا بالإضافة إلى ضغوط الرأي العام الأوروبي الرافض للحرب. لكل ذلك فإن المجتمع الدولي سيبذل قصارى جهده من أجل الوصول إلى حلول سياسية عاجلة حفاظاً على الأمن والسِلم الدوليين. حكومة الجنوب هي حكومة مزروعة تمثل "إسرائيل" أفريقيا وتعتبر أكبر مهدد استراتيجي للأمن القومي السوداني والأمن الإقليمي. حكومة الجنوب خلال هذه المرحلة الراهنة تعتبر في أضعف حالاتها ولهذا فإنه ينبغي على الحكومة أن تستغل هذه الظروف الحالية التي تعتبر مناسبة لها لفرض حلولها السياسية والعسكرية. إن التردد في استغلال الفرص المتاحة حالياً، حيث أن الخرطوم هي الأقوى، سيكون له آثار سلبية في المستقبل حيث أن جوبا ستستفيد كثيراُ من عامل الزمن في معالجة كل مشاكلها والوقوف على رجليها وحينها فإن المواجهة ستكون صعبة وذات تكلفة عالية. خاصةً إذا ما وضعنا في الاعتبار بأن المجتمع الدولي يدعم حكومة الجنوب!! حتى لا يحدث كل ذلك فإنه يجب علينا الحسم السريع للقتال الدائر حالياً بجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور حتى نتفرغ تماماً للخطر الأكبر القادم مع الإسراع في تنفيذ اتفاقية الدوحة وتشكيل الإدارة الإقليمية الجديدة لدارفور حتى تمارس مهامها في أقرب وقت ممكن، كما تبرز أهمية الإسراع في تشكيل الحكومة ذات القاعدة العريضة التي طال انتظارها. ختاماً إن المرحلة الحالية تتطلب الانتقال السريع إلى المبادرة والمبادأة والإمساك بذمام الأمور والسيطرة التامة على مجريات الأحداث بالبلاد وإدارة الأزمة عن طريق الإدارة الرشيدة باستخدام أدوات المساومة التوفيقية التعايشية والضاغطة الإكراهية معاً مع حركات التمرد ومع المجتمع الدولي حتى يتحقق السلام المنشود وبالله التوفيق. نقلا عن صحيفة الأهرام السودانية 21/11/2011م