من المسلّم به والمفروغ منه أن الجهة الوحيدة صاحبة الاختصاص بشأن تنظيم العملية الانتخابية التي بدأت اجراءاتها الآن في السودان هي مفوضية الانتخابات العامة التي تواضعت كافة القوى السياسية السودانية – حاكمة ومعارضة – على الاحتكام اليها وارتضاء اجراءاتها ولهذا فإن المفوضية بهذا الصدد مسؤولة عن الانتخابات العامة في كافة أرجاء السودان بما في ذلك الاقليم الجنوبي الذي يعتقد البعض خطأً وكأنه خارج نطاق صلاحيات المفوضية صحيح أن الجنوب السوداني تحكمه – بموجب اتفاق نيفاشا – الحركة الشعبية بنسبة كبيرة تجعل منها المهيمنة والمسيطرة عليه وحدها تقريباً، وصحيح أن الاتفاقية بهذا الصدد أرادت منح قدر من الحكم (شبه الذاتي) للجنوب السوداني حتى يتم تسهيل عملية ترتيب وإدارة الشأن الجنوبي في هذه الفترة الانتقالية بواسطة أهل الجنوب والجهة التي تمثلهم لأنهم الأدرى بشعاب الإقليم. كل هذا صحيح ولا مطعن حوله، ولكن يبقى بعد كل ذلك أن المفوضية العامة للانتخابات مسؤولة عن كل السودان في شأن قضية الانتخابات وعن كل صغيرة وكبيرة في هذا الصدد ولهذا فقد قررت المفوضية أن حق مراقبة الانتخابات المقرر لجهات حددتها حق مكفول، ولكن بالمقابل لابد من أخذ الإذن صراحة من المفوضية للقيام بعملية المراقبة، بحيث لا يجوز لأي جهة محلية أو خارجية القيام بمهمة المراقبة هذه، دون أخذ الإذن اللازم ابتداءً من المفوضية، ولعل الاشارة هنا واضحة حيث تعتقد حكومة جنوب السودان بما لديها من صلات وعلاقات مستقلة بمنظمات وجهات خارجية أن من حقها جلب من تريد عبر بوابة الجنوب للمشاركة في المراقبة، اذ أن الكل يعلم أن حكومة الجنوب تسمح لبعض المنظمات والجهات بدخول الجنوب في كثير من الأحيان دون علم الحكومة المركزية، مع أن هذا الأمر يخالف الدستور والقوانين المركزية على اعتبار أن السودان حتى الآن دولة واحدة يعتبر دخولها أو الخروج منها عمل سيادي يتصل بأمنها القومي. ولا شك أنه اذا تم فتح هذا الباب، فإن الفوضى سوف تسود، وسوف تشارك في عملية المراقبة جهات قد تكون معادية للسودان كله وتعمل على إعاقة العملية أو افسادها، في ظل ظروف ومعطيات لا تحتمل هذه الإعاقة وهذا الإفساد – من جهة ثانية، فإن تأكيد مفوضية الانتخابات أن الأممالمتحدة ليست مخولة بالمراقبة لكونها جهة داعمة ومانحة، هو أيضاً من قبيل ضمان حيدية ونزاهة الانتخابات، حتى لا تدخل المنظمة الدولية هي أيضاً في عراك داخلي بسبب مراقبتها للانتخابات، وهو أمر أكدته المفوضية وظلت تردده حتى الآن لكيلا يلتبس على البعض طبيعة دور الأممالمتحدة ومنظماتها وبقية المنظمات الأخرى. وعلى ذلك فإن احدى أهم عناصر انجاح العملية الانتخابية هو احترام قرارات مفوضية الانتخابات والالتزام بتعليماتها، فهي الجهة المناط بها القيام بهذه المهمة ولم يتعرض اعضاؤها – عند اختيارهم – للطعن في الحيدة والنزاهة ومن ثم فإن الضروري الانصياع لما يقررونه اذا كان الجميع حادبين على مصلحة انجاح هذه الانتخابات والوصول بها الى بر الأمان، بغض النظر عن الفائز والخاسر!!