تحليل سياسي تخطئ وزارة التعليم السودانية إن هي عملت على قيام امتحانات الشهادة السودانية للعام الحالي 2011فى الولايات الجنوبية . صحيح أن نتيجة الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان لم تظهر حتى الآن و أنها قد تظهر رسمياً أواخر هذا الشهر حين يعلن عنها رسمياً رئيس مفوضية الاستفتاء. و صحيح ايضاً أن استباق النتيجة باتخاذ قرار بتعليق هذه الامتحانات فى الولايات الجنوبية أو استثنائها منها أمر غير مواتي فى هذا الوقت . و لكن من المفروغ منه – وفق المؤشرات الماثلة حتى الآن – أن الجنوب السوداني تقريباً قد انفصل عملياً و ان كل ما تبقي هو فقط الإعلان عن هذا الانفصال رسمياً ، فكل المراقبين و كل المواطنين ، بل إن المسئولين فى الحكومة المركزية باتوا على قناعة – وفقاً للشواهد الواضحة – أن الانفصال صار حتمياً و ما من سبيل لإيقاف عجلته التى دارت بالفعل؛ وكما تحاول الحكومة المركزية الآن إعادة ترميم الموازنة العامة للدولة لهذا العام 2011 لكي تواكب الحدث الجديد ، فان من المهم ايضاً أن تضع وزارة التربية و التعليم المركزية فى السودان و لجنة الامتحانات هذا الانفصال فى حساباتها بحيث يتم استثناء الجنوب – منذ الآن – من هذه الامتحانات لصعوبة إجراؤها فى المناخ السائد الآن فى الجنوب. فمن جهة أولي فان الجنوب السوداني لن يكون فيه موضع شبر لإجراء امتحانات كهذه فى ظل حالة التعبئة الجارفة و الابتهاج بقيام دولة جديدة و سوف يكون من قبيل إهدار المال و الجهد إذا ما تم إرسال الامتحانات الى هناك لأن قادة الجنوب – فى وقت كهذا – لن يبدوا اهتماماً بعملية (ثانوية) كهذه حسب رؤاهم . و جهة ثانية فان تجربة الدورة المدرسية ال22 لا تزال حية و ماثلة ، حيث رفضت حكومة الجنوب – بأسباب مضحكة – قيام دورة ثقافية بسيطة كهذه ، غير عابئة بالخسائر المادية الفادحة التى تكبدها المركز وغير مهتمة بالمردود التربوي البالغ الأثر الذى أحدثه قرارها ، فما بالك بامتحانات لم تعد حكومة الجنوب تحتاجها ، خاصة وأن غالب التوجه الجنوبي رغماً عن كل شئ يتجه الى استجلاب مناهج دراسية يوغندية و كينية هرباً من المناهج السودانية التى يعتقد قادة حكومة الجنوب أنها عربية إسلامية و بعيدة عن ثقافتهم الإفريقية غير الإسلامية. و من جهة ثالثة فان هناك استحالة فى تأمين هذه الامتحانات فى ظل الفوضى التى يتعامل بها الجيش الشعبي فى الجنوب ، ومن السهل أن يتم استخدام هذه الامتحانات فى عمليات بيع و شراء ، كما من الممكن ان يتم كشفها على الملأ بغية إفسادها على المستوي القومي . لكل ذلك فان من المهم و من الضروري ان تعيد الوزارة فى الخرطوم النظر فى الامتحانات منذ الآن بحيث تضع الجنوب خارج نطاق هذه الامتحانات ، حتى إذا ما أختار الجنوبيون الوحدة – كاحتمال ضعيف – فان بالإمكان إجراء امتحان منفصل لهم .