حينما انفضت جلسة المصالحة بين د.حسن الترابي والإمام الصادق المهدي التي نشطت فيها رئيسة حزب القوى الجديدة (حق)، بعد توتر العلاقة بينهما؛ بسبب تراشقات كلامية، كان اهتمام قيادات المعارضة تنصب على أن رئيس حزب الأمة القومي الصادق وافق على إسقاط النظام...الترابي نفسه حصر كلامه أمام الصحفيين عند هذه النقطة، وقال (المعارضة تعكف على صياغة دستور انتقالي ينقل البلاد من نظام كريه إلى نظام مرضي عنه) ولم يتطرق- خلال تصريحاته- إلى المصالحة مع الإمام. احتفاء قادة المعارضة بمباركة الصادق لخطة إسقاط النظام، كان واضحاً في حديث رئيس حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ؛ الذي أكد أن الصادق بات مقتنعاً بإسقاط النظام دون تحفظ ، فقط طالب بالإعداد والتجهيز لهذه المهمة فقال:(الآن تم بشكل جلي وواضح، وعلى لسان السيد الإمام أن فكرة إسقاط النظام متفق عليها وليس لديه تحفظ، لكن هو يطلب إعداد وترتيب وتجهيز لهذه المهمة). الصادق الذي طالب بالتجهيز لمهمة إسقاط النظام لم يبين ما هي التجهيزات التي يطلبها أثناء جلسة المصالحة، ولا أمام الصحفيين، والواقع أنه لم يصرح بشيء سوى تأمينه على حديث صاحبة المبادرة رئيسة حزب القوى الحديثة (حق) هالة عبد الحليم التي قالت: إن المبادرة نجحت في احتواء الخلاف بين الزعيمين واتفقا على فتح صفحة جديدة فما كان من الصادق إلا أن قال: (أثني على ما قالته الأستاذة) وركب سيارته ومضى. من المؤكد أن موقف الصادق من إسقاط النظام لم يعد جلياً في الفترة الأخيرة، وعندما نقول لم يعد جلياً أو ملتبساً يمكن أن نورد بعض الشواهد على ذلك تعود إلى فترة ما بعد الانتخابات وقبيل تشكيل الحكومة العريضة التي حرص عليها المؤتمر الوطني، أولها أنه انخرط في لقاءات ثنائية عديدة مع الرئيس البشير في الوقت الذي قاطع فيها رؤساء الأحزاب هذه اللقاءات، ثم دخل الحزب في مفاوضات مباشرة مع المؤتمر الوطني بلجنة خماسية من الطرفين، وطرح خلالها الأجندة الوطنية، وهي كانت محور لقاءات البشير والصادق، والتي عاد وأبلغ تحالف قوى الإجماع الوطني أنه يتفاوض فيها باسمهم، موقف آخر يؤكد تأرجح الصادق من إسقاط النظام ..في ذكرى تحرير الخرطوم أعلن موقفين لا ثالث لهما؛ إما أن يقبل الوطني بالأجندة الوطنية والتي يطالب فيها بتنحي الوطني عن الحكم وحكومة انتقالية تجري انتخابات مبكرة، أو يتنحى ويعتزل السياسة، وقطعاً تراجع عن تنفيذ أيٍّ من الشرطين...لا تنحصر الشواهد في مواقف الصادق أو حزبه الثنائية مع المؤتمر الوطني، ولكن حتى التي كان له فيها تنسيق مع تحالف القوى المعارضة، فمثلاً دعا تحالف المعارضة إلى اجتماع هام على مستوى رؤساء الأحزاب لتحديد موقفهم من الحوار مع الوطني...ولكن الاجتماع فشل؛ لأن الإمام التقى الرئيس البشير في المساء قبل يوم من الاجتماع ...المعارضة قررت النزول للشارع بسبب غلاء الأسعار ورتبت على أن تكون المسيرة بداية لمسيرات مشابهة للربيع العربي..تقرر أن تتحرك المسيرة من مسجد السيد عبد الرحمن من ود نوباوي بعد صلاة الجمعة، بعد أن يخطب الإمام الصادق في المصلين ويأمرهم بالتحرك بعد الصلاة إلى ميدان الخليفة، المعارضة احتشدت في المسجد...الصادق لم يصل بالناس، الخطيب البديل لم يطلب من المصلين الخروج للشارع، واكتفى بمناشدة السلطات السماح للمعارضة بالتظاهر ضدها. نجل الصادق عبد الرحمن مستشاراً لرئيس الجمهورية.. عند إعلان هذا الخبر كان في ظن كثيرين أنه نهاية العلاقة بين تحالف قوى الإجماع الوطني وحزب الأمة القومي، بيد أن الإمام كان قد رتب حججه فقال (عبد الرحمن ليس مني) فقد استقال من الحزب يوم أن عاد إلى القوات المسلحة، وهذا قرار فردي...وعندما لم تقنع الحجة جماهير الحزب رجع وقال: (لا أحد يستطيع أن يلغي عضوية عبد الرحمن في حزب الأمة بسبب مشاركته في الحكومة، وحتى مبارك الفاضل عندما خرج عن الحزب لم تلغ عضويته)، وقال أمس الأول في خطابه أمام ملتقى شباب حزب الأمة (عضوية حزب الأمة زي الجنسية لا يمكن سحبها)، بحسب مصادر مطلعة؛ فإن الاتفاق على تعيين عبد الرحمن تم في لقاء بين البشير والصادق، قد يكون تعيين عبد الرحمن أبسط مخرجاته، وكما تردد فإن اللقاء كان في صلاة الفجر -على غير العادة- عندما أدى الإمام الصلاة مع الرئيس البشير قبل سفر الأول خارج البلاد...والملاحظ أن الصادق بعد ذلك اللقاء لم يعد يتحدث عن إسقاط النظام. كشف مصدر تحدث للأخبار- طلب حجب اسمه- عن أن اتفاق الصادق مع قوى المعارضة في اجتماع المصالحة بينه والترابي ليس مقطوعاً به؛ لجهة أن الصادق استمع لرؤية المعارضة ووافق عليها بشرط أن يتم الإعداد والتجهيز لها جيداً وقال المصدر: (الصادق استمع لموقف المعارضة وقال إن إسقاط النظام يحتاج لتجهيزات لابد منها وتناول في بقية كلمته علاقة الجنوب بإسرائيل) ...وأشار المصدر إلى أن تماهي مواقف الصادق من إسقاط النظام معنية به تحالف قوى الإجماع الوطني في الدرجة الأولى، ثم جماهير حزب الأمة المطالبة بإسقاط النظام..وكشف المصدر عن أن حزب الأمة بات يتهيب قراراً من تحالف الإجماع قد يفضي لعزله بسبب مواقفه غير الواضحة من إسقاط النظام على حد تعبيره، وكشف عن أن د.مريم الصادق- القيادية بالحزب -نشطت في الترتيب للقاءات ثنائية بين رئيس حزب الأمة الصادق المهدي ورؤساء الأحزاب الذين تسلموا خطابات من حزب الأمة بهذا المعنى، إلا أنهم رفضوا جميعاً اللقاء الثنائي، كما كشف المصدر عن أن قوى تحالف الإجماع الوطني شرعت في إعداد مذكرة موجهة للإمام الصادق؛ تطالبه فيها بتحديد موقفه من إسقاط النظام، بيد أنها أرجأتها بعد المصالحة الأخيرة؛ إلا أنه لم يستبعد تسليمها للإمام إن دعا داعٍ. شباب حزب الأمة خاصة وجماهيره عامة مثلوا عنصر ضغط آخر يطالب المهدي بأن يكون جزءاً من خطة إسقاط النظام، أو يحدد موقفه من ذلك. يوم الأربعاء الماضي رتب شباب الحزب اعتصاماً أمام دار حزب الأمة بأم درمان منادين بعدد من المطالب، من بينها تحديد موقف الحزب من إسقاط النظام، إلا أن قيادات الحزب احتوت الأمر. الإمام الصادق خاطب ملتقى شباب الحزب أمس الأول، وفي الخطاب أوجد مبررات خطابية وحججاً فلسفية لموقفه من إسقاط النظام، وقال متمسكاً بالإصلاح بدلاً عن الإسقاط ( الهدف المشروع في بلادنا هو إقامة نظام جديد) مشيراً إلى أن شعار الشعب يريد إسقاط النظام لا يتناسب مع ظروف السودان، وأضاف ( إننا إذ ننادي بنظام جديد نكون قد اتخذنا موقفاً أنضج يتجاوز الإسقاط إلى تحديد معالم البديل)، وأكد الإمام أن الأفضل أن تطالب المعارضة بنظام جديد بدلاً من المطالبة بإسقاط نظام الإنقاذ، وأطلق شعاراً على طريقته، وقال لذلك الأجدى (الشعب يريد نظام جديد) بالعودة إلى موقف الإمام المهدي يوم المصالحة مع الترابي، وحديثه الأخير أمام شباب الحزب، وما بينهما من مواقف وتصريحات له، هل يمكن أن يحدد المراقبون أن الصادق مع إسقاط النظام كما قال يومها، أم أنه انحنى للعاصفة لأسباب فقط ، وريثما تمر يكون له وحزبه موقف آخر من ذلك...يؤدي إلى تقارب أكثر بين الأمة والوطني ؟ نقلا عن صحيفة الأخبار السودانية 15/1/2012م