بصرف النظر عن ما آلت إليه مفاوضات الطرفين فى العاصمة الاثيوبية أديس أبابا بشأن موضوع النفط، فإن مجرد تلميح جوبا بأنها على إستعداد لمعاودة تصدير نفطها عبر السودان حال التوصل الى اتفاق مع الخرطوم، يعتبر فى حد ذاته إشارة الى تراجع محتمل عن قرارها القاضي بوقف تصدير النفط عبر السودان. ومن المؤكد أن جوبا طوال هذه الفترة قد أعادت قراءة الأمر وحساب الحسابات ومراجعة الأوراق والتدقيق فى الخيارات والإصغاء لصوت العقل، بعيداً عن عنتريات السياسة وصبيانية المواقف. ومن المؤكد أيضاً أن الأمر برمته لم يكن سوي مناورة، ذلك أن الحركة الشعبية وطوال تعاملها مع المؤتمر الوطني فى فترة الست سنوات الماضية، ظلت غير قادرة على إتخاذ القرارات السليمة ؛ و إذا حدث وأن فعلت، فهي لا تحتمل نتائجها، وسرعان ما تثوب الى رشدها . لقد قال الخبراء الفنيين إن أنابيب النفط من الممكن أن تنتظر وتتحمل وقف ضخ النفط لست أشهر، ومن المقطوع به أن الحركة الشعبية تعرف هذه الحقيقة ولهذا قررت أن تناور فى حدود هذه الفترة الزمنية آملة أن يستجيب لها الحزب الحاكم فى السودان ؛ بمعني أوضح فإن الحركة الشعبية من الأساس ما كانت عازمة على وقف ضخ النفط بصورة نهائية. لقد أدرك المؤتمر الوطني هذه الحقيقة مبكراً، لهذا لم يكن أمراً مدهشاً أن يمضي الوفد الحكومي السوداني المفاوض الى أديس أبابا بروح تفاؤل عالية، بل ما كان للوفد من الأساس أن يذهب لو لم يلمس إشارات هنا وهناك لإمكانية تراجع حكومة الجنوب عن موقفها. وعلى ذلك فإن جوبا متراجعة لا محالة، فإن لم يكن اليوم، وإن لم يكن الغد، فبعد غد، وإلا فإن قضاياها التى تربطها مع السودان ستلحق بها أضراراً كبيرة، كما أن الشركات النفطية الشريكة فى هذا المجال لن تتحمَّل هذه المناورة، وستحاول أن تضع حداً لها.