هل فقدت الحركة الشعبية سحرها، أم انقلب السحر على الساحر، من الواضح أن (الحركات) التي كانت الحركة تستثير العالم وتحصل على تعاطفه بها أصبحت أقل فاعلية، والدليل على ذلك ما حدث مؤخرا. لقد وقّعت الحركة مع الحكومة اتفاقية لعدم الاعتداء، ولقد علمتُ في حينها إنّ ذلك يشبه وقوفات إطلاق النار التي كانت الحركة توقعها مع الحكومة (أيام مفاوضات نيفاشا) اليوم ثم تدعي في الغد إن الحكومة قد اخترقتها، وتأتي بالمنظمات وكاميراتها لتصور كومة من البشر المطحونين (وما أكثرهم في مناطق القتال)، ويتصدر مسؤولو الحركة الشاشات ليقولوا كلاما كثيرا أمام كاميرات المنظمات من مثل: إن هؤلاء لاجئون من المكان الفلاني الذي قصفه الطيران الحكومي وإن أخ هذا قتل وأب ذاك مزقه القصف...إلخ وهكذا تفلح دائما شرارات التمرد المضللة في إشعال فتيل حملات التعاطف الغربي (الواقفة على الهبشة) أصلاً . ولأن ذلك السيناريو تكرر مرارا أثناء مباحثات نيفاشا؛ فقد كان واضحاً جداً أنّ توقيع اتفاق عدم الاعتداء الأخير مع حكومة الجنوب هو سليل تلك المسلسلات وشبيهها، وبالفعل فبعد يوم أو يومين من التوقيع كان الخبر على قناة الجزيرة و BBC وغيرها يقول: إن الطيران الحكومي قصف ... إلخ. ومن أجل مزيد من الإقناع تُعرض المناظر المكررة المحفوظة لجنوبيون يفترشون الثرى... بينما واقع الأحوال يقول: وهل يفترش الجنوبيون في عهد حكم الحركة إلّا الثرى؟؟ ما عدا لصوص الحركة الذين يفترشون الحرير ويملأون حساباتهم الخارجية بملايين الدولارات المنهوبة من مال الشعب الجنوبي المنكوب، الذي لا يسمع بهول السرقات إلّا عندما يختلف اللصوص فيظهر المسروق، مثل الملايين الثلاثين من الدولارات التي أفصح وزير المال الجنوبي السابق قائلا إن باقان أموم حوّلها لمنفعته الخاصة. القصد،...إن ملامح الفخ كانت واضحة في ذلك الإتفاق... فالعجب كل العجب أن توقع الحكومة عليه ابتداءا وهي تعلم إنها إن هاجمها الجيش الشعبي ثمّ ردّت عليه فلن يصدقها أحد حين تقول إنه البادئ، والعكس يصح، فإن بادءها الجيش الشعبي بالهجوم فسيقول إنها بدأت وهاجمت تلك القرية أو غيرها وعندها فإن أحدا لن يكذبه، وعليه فإن إتفاقات عدم الاعتداء مع دولة الجنوب لا معنى لها ولا فائدة، وهي ما وقّعت الاتفاق الأخير إلّا بِنيّة الإيقاع بالشمال على شاكلة ما حدث بالفعل، ولكن الواضح إن النتيجة لم تكن بالقدر الذي توقعه الجنوبيون، القدر الذي اعتادوا عليه في الأيام الخوالي لقد (طنشهم) العالم هذه المرة! لقد نظر العالم إليهم (من تحت جفونه) كما يقول الشيخ اسحق فضل الله ثم قال لهم، ما هذا الجنون الذي تقولونه في ملف النفط؟؟ أمّا أمريكا فيبدو أنها سئمت من (حركات) الجنوبيين ولم تعد راغبة في تقديم المزيد، فبحسبها ورطتها في الالتزام للجنوب بدفع الأموال التي فقدها بسبب وقف إنتاج النفط. إنّ أمريكا مثقلة بعجز موازنتها وربما تحس بأنها تسرعت في كل التزاماتها تجاه دولة الجنوب، يظهر هذا في قلة اكتراثها بدعوى الجنوب خرقَ السودان لإتفاق وقف إطلاق النار، إنّ أمريكا ليست فارغة الآن للجنوب وانتخابات الرئاسة الأمريكية على الأبواب، ويكفيها أن تحاول إنجاز ما وعدت به، ولو فعلت، فسوف يمثل ذلك عبئاً ثقيلا على موازنة الدولة المنهكة بسبب أزمة المال العالمية، وبسبب حشرها أنفها في شؤون غيرها مشعلةً حروبا أنهكتها وأصابت اقتصادها في مقتل. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 23/2/2012م