بترشيحها لرئيس كتلتها البرلمانية – الذي تثور حوله أمور عديدة – فإن الحركة الشعبية فتحت على نفسها جبهة قتالية شبيهة بما بات يعرف في اصطلاحات الحرب الحديثة (بالنيران الصديقة)، فسواء كانت الحركة الشعبية – بهذه الخطوة المدهشة حقاً – جادة في ما قررته أو أنها كانت تستصحب في هذه الخطوة سلوك مجاملة سياسية أو (مزاح سياسي)، فإن حسابات السالب والموجب في هذا الترشيح ترجح أن الخسائر الساسية الحقيقية للحركة قد بدأت للتو. اذ ما أنسمع أعضاء قطاع الشمال بالحركة التي يتولى عرمان قيادته بترشحه حتى ثارت ثائرتهم، وقالوا حديثاً معروفاً وسط الساحة السياسية ويعرفه رعاة الشياه في البيادر، ان عرمان هو الذي أقعد قطاع الشمال وأحاله الى جسد كسيح، فكيف يُراد لرجل فشل في (إدارة بيته السياسي من الداخل) أن يُرجى منه إدارة البيت الكبير من الداخل ومن الخارج؟ وقضة أخفاق عرمان في ادارة القطاع منذ أن أثار عدد من المشاكل في أنحاء مختلفة من البلاد في البحر الأحمر وفي كسلا وفي القضارف وفي سنار وفي الولاية الشمالية في دنقلا ونهر النيل وحتى هنا في الخرطوم قضية من الوضوح بحيث لا تتطلب منا إعادة اجترارها هنا، فالمساحة تضيق عن الوقائع العديدة التي وقعت ووصل بعضها الى محاضر الشرطة والنيابة، بل وصل الأمر ذروته حين عمل زعيم الحركة الفريق كير على (تجميد) الهيكلة السياسية للقطاع التي رفع له عرمان قائمة بها لما أدرك أن اجازته لهذه الهيكلة معناه بوضوح اطلاق آخر رصاصة رحمة على القطاع ومن ثم انسحاب الحركة الى جنوب حدود 1956م كحزب سياسي والى الأبد! هذا من جهة – من جهة ثانية فإن عرمان طوال الفترة المنصرمة قدم نموذجاً للطالب المشاغب في البرلمان ولم ينطبع في ذهن أي مواطن سوداني أو مراقب أو محلل حصيف أن هذا الشاب يمارس عملاً سياسياً عاقلاً، وبالتالي فإن هذه الصورة – وحدها – قضت على المرشح الوليد في المهد. من جانب ثالث، فإن عرمان حتى ولو حصل على موافقة حركته بالترشح للرئاسة، فإن من الصعب ان لم يكن من المستحيل أن يحصل على قبول بقية القوى السياسية المعارضة لتقف وراءه داعمة له كمرشح لتحالف عريض – واذا تم اقصاء عرمان – وهذا وارد وتم الوقوف وراء مرشضح آخر للتحالف العريض، فإن معنى هذا ان الحركة أطلقت عليه نيرانها الصديقة لأنها عرّضته لموازنة لا يملك عناصرها. هذا بالطبع اضافة الى أن عرمان تطارده قضايا أقل ما يمكن الحديث عنها أنها (شبهات)، والشبهات لا تصلح مطلقاً في مضمار الانتخابات لأنها عامل اسقاط، ان لم تكن عامل (احراج مبكر) واخراج سريع من السباق وهذه ايضاً نيران صديقه تطلقها الحركة لأنها تعلم ماضي الرجل وان لم تكن تعلم فالمصيبة بلا حدود. وهكذا فإن الشاب الطامح الذي يفتخر بنضاله العشريني في الحركة جرى التلويح له من قبل رفاقه في الحركة (بحلوى مسمومة) سارع هو يأخذها ظناً منه أن قطاع الشمال لن يختلف كثيراً عن قطاع السودان!!