أقصى ما يعرفه غالبية العرب عن الصين هو أنها بلد ماوتسي تونغ، والثورة الثقافية الشهيرة، وفي الآونة الأخيرة نسمع عن الصين بوصفها البلد الأكثر تحقيقاً لمعدلات نمو سنوية، وأنها إحدى أهم القوى الدولية المرشحة لأن تصبح قطباً دولياً قادماً في مواجهة القطب الأمريكي . ولم يجر الالتفات إلى الصين كتاريخ وحضارة وثقافة إلا في حالات نادرة، حتى في الأدب العربي الحديث تختفي الصين بصورة تكاد تكون كلية، فيما تحضر بقوة أوروبا الغربية وأوروبا الشرقية، يوم كانت صفة الشرقية هذه تحمل دلالة سياسية وأيديولوجية . ومن الأعمال النادرة التي حضرت فيها الصين في أدبنا رواية “الربيع والخريف" لحنا مينه التي جرى بعض أحداثها في الصين، حين كان بطل الرواية العربي قد عاش ردحاً من حياته هناك . ومن القلة النادرة من الباحثين العرب الذين اهتموا بدراسة الصين، أو الاقتراب من عوالمها، المفكر العراقي الراحل هادي العلوي الذي عاش فترات طويلة في الصين وتبحر في عوالمها الحضارية والروحية، وكتب عنها في ما بعد بعض المؤلفات، بينها كتاب “المستظرف الصيني" . لكن تجربة الصين باتت تفرض نفسها بقوة على العالم كله، وبدأ بعض الباحثين العرب ينظرون إليها وهذا هو المهم في سياقها وعمقها الحضاري والثقافي، بحيث يتجاوزون النظرة الضيقة التي كانت تحصر هذه النظرة في “الكتاب الأحمر" لماوتسي تونغ . ويفترض أن يزداد الاهتمام في السنوات المقبلة بهذه التجربة من قبل العرب، وأن تشهد المكتبة العربية صدور مؤلفات عنها كتلك التي توجهت لدراسة عوامل النهضة اليابانية وأسباب انبثاقها وتطورها ونجاحها في مقابل تعثر لا بل وسقوط محاولات النهضة العربية المتكررة . يلاحظ هشام جعيط، ومعه آخرون بالطبع في ذلك، أننا نفكر بالغرب دائماً بوصفه “الآخر" الوحيد، ونفكر بأنفسنا على أننا “الآخر" بالنسبة للغرب، وهذا خطأ فادح، كأننا موازون له، وهذا خطأ آخر برأيه . إننا نرجع، حين نريد العودة للآخر للفلسفة الأوروبية الكلاسيكية والحديثة من ديكارت إلى هايدغر وسارتر ونيتشه وماركس وسواهم، لكننا نهمل تماماً، ماضياً وحاضراً، الفكر الهندي والحكمة الصينية، وكلاهما يعتمد على أسس بعيدة عن الإرث اليوناني والسامي، فيما علماء الغرب نفسه، المزهو بنفسه ونهضته، قد اهتموا كثيراً بهذا التراث النافذ العميق . يجب أن يكون لنا أكثر من آخر غير الغرب، والصين من أهم هؤلاء . المصدر: الخليج 25/1/2010