ازداد الموقف الجنوبي ضعفاً على مائدة التفاوض في أديس أبابا. ففي السابق – قبل الهجوم على هجليج – كان عنصر الثقة واحترام اتفاقيات عدم الاعتداء – هو الذي يعزز من الموقف الجنوبي. وفي السابق أيضاً وقبل الهجوم الفاشل، كان الجانب السوداني ورغم كل الإخفاقات السابقة في جولات التفاوض، يراهن على حسن نية الجانب الجنوبي وإمكانية بناء الثقة ولو بداية من الصفر، ذلك أن منطق الأشياء يشير إلى أن الجانب الجنوبي وجراء فقدانه ل(98%) من موازنته العامة بسبب وقف تصدير النفط، مقابل نسبة لا تتجاوز ال(45%) على الجانب السوداني هو الأكثر حاجة إلى طي صفحات الخلاف النفطي بأسرع ما يمكن ولهذا فإن الجانب السوداني تكفل (بمساعدة) الجانب الجنوبي في سرعة الخروج من هذه الورطة ومحاولة التوصل إلى اتفاق سريع. وهو ما دفع الجانب السوداني – مستنداً إلى قواعد العلاقات الدولية – إلى إبرام اتفاقية الحريات الأربعة أملاً في أن تساعد الجانب الجنوبي على الزغم أنه ما خسر جراء الخلاف وانه كسب هذه الاتفاقيات التي من شانها الحفاظ على حقوق مواطنيه وتسهيل انسياب العلاقات التجارية وتبادل السلع والبضائع وضمان مصالح مواطنيه في السودان. كانت المفاجأة – وكل هذه الأمور ما تزال في الحسبان والاعتبار – أن الجانب الجنوبي كاد أن يقضي على كل ذلك أو فلنقل أنه قضي على غالبها. فقد تباعدت المسافات بين الجانبين فيما يخص الثقة وحسن النية وتباعدت فرص عقد القمة الرئاسية بين الرئيسين كير والبشير بحيث أكدت مصادر سودانية في الخرطوم – الأحد – أن القمة الرئاسية على فرض قيامها فهي لن تتم إلا بشروط صعبة، كما أنها لن تتخذ من جوبا مقراً أو موضعاً لها ألبته. وهو ما يفهم منه أن الجانب السوداني أصبح لديه من عناصر التعامل مع الجانب الجنوبي ما يستوجب الشك في كل شيء دون أن يملك الجانب الجنوبي حق نفي هذه الشكوك أو ادعاء أنها بلا أساس. كل هذا زاد من ضعف الموقف التفاوضي للجانب الجنوبي بحيث قالت مصادر لصيقة بالوفدين في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا أن الجانب الجنوبي بدا في حاجة شديدة لمعجزة لكي يضع الجانب السوداني في الخط المطلوب. كما أن الجانب السوداني يبدو شديد التوجس من الجانب الجنوبي ويطالبه باستمرار بضمانات حتى على مستوي النقاط التي يجري التفاوض حولها. لقد تسبب هذا الوضع الشائك في ارتباك الموقف التفاوضي الجنوبي، فقد جربت جوبا كل شيء بداية بوقف ضخ النفط والذي كانت تعتبره – هو في حد ذاته – عنصر فاعل للضغط ولكنه انقلب ليصبح عنصر ضغط شديد عليها ثم مارست أسلوب التسويف والمماحكة بحيث يؤثر طول المدة وتطاول الزمن على الجانب السوداني وفوجئت بأن الجانب السوداني لم يتأثر كثيراً وليس على عجلة من أمره وأنه اخرج النفط تماماً من موازنته العامة وأطلق يد مفاوضيه ليكونوا في حل من أي ضغوط، ثم ما لبثت جوبا أن لجأت إلى أسلوب الحرب والاحتلال ولكنه هو الآخر فشل إذ لم يحقق هجومها على هجليج وما حولها أي هدف. لقد لفت جوبا ودارت كل هذا الدوران الطويل بلا فائدة ونفذت كل (الوصفات) الأمريكية التي أعطيت لها ولم تجد نفعاً ولهذا فقد أصبحت في موقف لا تحسد عليه بحق وحقيقة، فكل الذي تملكه الآن هو أن تفاوض بدون أوراق ضغط، بدون مؤثرات سياسية، بدون أي أمل في ان تلوي ذراع الخرطوم!