لا احد ينكر أن حكومة السودان قد التزمت بما تم الاتفاق عليه في نيفاشا وما أفضي عنه ذلك من نتائج حتى باقتطاع جزء عزيز من السودان كان علي مدار العقود الماضية موضع احتراب ونزاع وصراع وهو نفس الجزء الذي احكم حوله الغرب منهجيته للانفصال تارة بالقانون في سياسة المناطق المقفولة وتارة بالسياسات في مؤتمر المائدة المستديرة وأخري بالحرب وبالقوة كما كان في التمرد الأول وقد جاء الانفصال سلساً في إطار نيفاشا بحسب ما ظهر من نتائج وقد افشل هذا الواقع كل ادعاء كان يسوقه الأغرب وتسعي إليه الصهيونية لزرع الفتنة عبر الأدوات المختلفة إلا أن هذه القوي الدولية هي غير مبراة مما يجري من توتر في بعض المناطق وذلك لإدخال المنطقة في صراع ومخطط ذكي كمدخل للتفتيت والتقطيع والتجزئة التي هي سياسة الغرب والصهيونية العالمية الأساسية الموجهة ضد السودان... هذا اقل ما يمكن أن يتم التعبير عنه في أصداء تصريحات هنري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية التي أطلقتها مؤخراً في عقاب المواجهة بين الجنوب والشمال وخروقات الحركة الشعبية في مناطق جنوب كردفان فالوزيرة الأمريكية تقول دائماً علي الطرفين وهنا تعني الشمال والجنوب الآن ظهر جلياً ان الطرف الجنوبي هو الذي يقود السياسات التي يبتغيها الغرب تماماً فالانفتاح والتواصل الذي يقوم به الغرب بكل أدواته هو موجة نحو الدولة الوليدة وهو في كل الظروف والاحتمالات خصماً علي الدولة الأصل التي جاء انفصالها في سياق ترتيب وتدبير ولما كانت حكومة السودان الشمالي تمضي في التزامها نحو التعهدات والاتفاقات نري ان ذلك لم يغفر لها بما الحق من تهم بمنظور الغرب وهاهي خروقات الحركة الشعبية تتم علي مرأي ومسمع القوي الدولية . إذن حدث ما حدث ولكن ربما أهم ملمح وطني تحقق هو تغليب الحس الأمني علي الحس السياسي وذلك في إطار الدروس المستفادة من جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي مثل هذه المنعطفات الوطنية تجمع كل الآراء السياسية علي انه ينبغي ان ترتفع الإرادة الوطنية الموحدة فوق الخلافات حتي تكون مؤهلة لحماية البلاد. القيادي الدارفوري د. محمد يوسف وزير الشباب والرياضة السابق يقول انه بالنسبة لهم كسياسيين فان عملية الوفاء بالعهود والمواثيق هي وصفة أساسية لشعب متحضر وله قيم وأخلاق وعليه فما حدث ويحدث في جنوب كردفان وقبله النيل الأزرق كان عملاً لا يتسق أبداً مع الاتفاقات التي تم توقيعها في ما يتعلق بالمنطقتين ولا يتسق أيضاً هذا العمل مع الحوارات الكثيفة والكثيرة التي تمت في الفترات السابقة بين الجانبين. الخبير الاستراتيجي العسكري الفريق أول محمد البشير عبد القادر الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الأسبق قال أن خروقات الحركة الشعبية العسكرية الواسعة علي بعض المناطق القصد منها استباق فصل الخريف لصعوبة العمليات العسكرية أثناءه وذلك من خلال الانتشار الواسع لاحتلال اكبر مساحة من الأرض في ولاية جنوب كردفان ولكن يجري الآن إفشال كل هذه المخططات من خلال الانتصارات التي تحققها قواتنا المسلحة في كل يوم ودك كل الحصون هناك. الخبير الاستراتيجي محمد بشير قال ان الحركة الشعبية تستهدف من كل محاولاتها الآن تشتيت جهود الدولة وحرمانها من تطبيقها العملي لمبدأ الحشد في إطار النفرة المعلنة وهو مخطط لاستباق نفرة قوات الردع التي يجري الإعداد لها في إطار استنفار الدولة كما قصدت الحركة من هذا التحرك تحقيق وجود في مناطق السكان علي اكبر مساحة سكانية. وحول الأبعاد الأخرى لهذا المخطط العسكري من قبل الحركة الشعبية ووكلائها يقول محمد بشير ان من بين الأبعاد إدارة صراع مسلح وخلق أزمات لدولة السودان من خلال إرباك الدولة والتأثير هنا علي مجمل نشاطها كما ان الحركة الشعبية تريد ان تبعث برسائل للمجتمع الدولي وإشارات بان لها وجوداً حتى يرفع ذلك من دعمها وإشارات أخري للمنظمات الإغاثية الدولية حتي يكون التعامل فقط من خلالها ليوفر لها ذلك الدعم اللوجسي وفي منحي آخر من مناحي الأبعاد وراء هذا التحرك وهذا التحرش العسكري والخروقات يقول محمد البشير انه ربما قصد فرض واقع تفاوضي علي الدولتين يقوي من الموقف التفاوضي هنا كما وصف هذا النشاط العسكري الجديد للحركة بأنه ربما قصد منه أيضاً دعم أي نشاط عسكري للحركة الشعبية تجاه النيل الأزرق مع أبعاد أخري قصدت إيقاف التنمية في ولاية جنوب كردفان مقترناً ببعد سياسي آخر هو إشعار المواطن بأن التنمية قد توقفت وبالتالي توجيه رسالة للجهات الداعمة كما ان النشاط الجاري سيؤدي الي حركة نزوح ستتأثر كل الولايات المجاورة به. عدد من المحللين السياسيين يؤكدون انه أنفضح المخطط وتكشف المستور من كل عمليات الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب فهناك مطلوبات ومواثيق كلها كانت تقول لابد من علاقة سوية ومتينة في حدها الأقصي بين دولتين بما في ذلك العلاقة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية بكل محاورها وفوق ذلك جعل الحدود حدوداً يحددها البشر ولا تحددها الدول او الاتفاقيات فالحركة الشعبية من المنظور الجيواستراتيجي يجب أن تفهم وتعلم ان استقرار السودان الشمالي هو ضروري للاستقرار في منطقة أفريقيا الشرقية والتي تمثل المعبر الأول للنفط فالجنوب كما يقول المحللون لابد ان يفهم ان الدولتين تواجههما تحديات وظروف أعاصير اقتصادية عنيفة وأمواج تتلاطم هنا وهناك لتطفو علي السطح العديد من المشكلات جراء الانفصال الذي حدث واسفر عن دولتي شمال وجنوب. كما ان قراءة الواقع الاقتصادي يصبح من الصعوبة التكهن بمآلاتها فيما يتصل برؤي المستقبل هذه دواع وأسباب تؤكد دوماً وبإلحاح علي ضرورة الابتعاد عن الآليات العنيفة التي تعتمد علي الحرب والقتال كل ما يدور الآن يترك سؤالاً مهماً هل المخطط الدولي الذي يجري الآن وبتسارع قصد إكمال المراحل المتبقية من السيناريو وتجيء المفاوضات بعد اشتعال الحرب واشتداد أوارها. نقلا عن صحيفة الاهرام2/4/2012