أقرَّ أمين عام الحركة الشعبية الحاكمة في دولة جنوب السودان ورئيس وفدها التفاوضي فى أديس أبابا – باقان أموم – بدعم بلاده للفرقتين التاسعة والعاشرة فى ولايتيّ جنوب كردفان والنيل الازرق. وقال باقان أموم فى تصريحات صحفية عقب إنفضاض جولة التفاوض الأخيرة، إن حكومته بالفعل تدعم هاتين الفرقتين؛ مُلقياً باللائمة على الحكومة السودانية لكونها عملت على نزع سلاح الفرقتين بالقوة ! ويجيء إقرار أموم الخطير بهذه المثابة لينضاف الى إقرار سابق لا يقل خطورة عنه، وهو إقرار الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت قبل نحوٍ من أسبوعين بالهجوم على مدينة هجليج النفطية داخل الأراضي السودانية ومحاولة احتلالها من قِبل الحكومة الجنوبية . ففي الإقرارين كانت هى المرة الأولي التى يعترف فيها مسئولين جنوبيين - صراحة وعلناً - بزعزعة استقرار السودان. فيما مضي كانت الحكومة الجنوبية تنكر تماماً تقديم أى دعم لمتمردين سودانيين، وتنكر أيضاً إقدامها على مهاجمة أىّ أراضي سودانية، وكان يحلو للحكومة الجنوبية أن تعكس الإتهام الموجّه إليها وتتهم الحكومة السودانية بأنها هى التى تدعم متمردين جنوبيين وتشنّ هجمات على أراضي جنوبية. ويبدو الآن أن تكتيك الحكومة الجنوبية – لأسباب ليست واضحة بالكامل – قد انقلب من اللعب الخفي والمناورة الى اللعب العلني المكشوف، وهو أمر يستوقف المراقبين ويثير علامات استفهام وتعجب بلا نهاية . ولعل الشيء المثير حقاً للإستغراب هنا، أنّ باقان أموم لم يكتفِ بالإقرار بدعم الفرقتين 9 و 10 اللتان تتبعان للجيش الشعبي، فلو أنه اكتفي فقط بأن بلاده تدعم هاتين الفرقتين وحسب فلربما حَسِبنا ذلك ضمن المكايدة السياسية بين البلدين ولإعتبرنا الأمر مجرد مناورات، ووسائل ضغط متبادلة تنتهي غالباً بإنتهاء الأزمة والخلاف المتصاعد بين البلدين . أموم قال – فى معرض تبريره للدعم – إن الحكومة السودانية حاولت نزع سلاح هاتين الفرقتين بالقوة! الأمر هنا يبدو مدهشاً، إذ سبق للمتحدث بإسم الجيش الشعبي العميد (فليب أقوير) فى أعقاب انفصال دولة الجنوب أن نفي نفياً قاطعاً أن يكون للجيش الشعبي وجود شمال حدود 1956 داخل السودان. وحين سُئل وقتها عن الفرقتين التاسعة والعاشرة فى جنوب كردفان والنيل الازرق قال أقوير إنهما لا تتبعان للجيش الشعبي الجنوبي. فإذا صدقنا المتحدث بإسم الجيش الشعبي فى حديثه هذا واعتبرنا هاتين الفرقتين لا علاقة لهما بالجنوب؛ فما دخل باقان إذن بنزع سلاح هاتين الفرقتين بالقوة أو بغير القوة؟ وهل يملك أموم وحكومته حق التدخل فى شأن سوداني داخلي لدرجة تقديم الدعم والإقرار بذلك علناً؟ وإذا كان أموم يقصد إنّ هاتين الفرقتين تتبعان للجيش الجنوبي لهذا يستنكر نزع سلاحهما بالقوة؛ فماذا يعني حديث العميد أقوير النافي تماماً لصلة الجيش الشعبي الجنوبي بالفرقتين؟ هل كان أقوير يكذب ويخادع أم أنَّ أموم يسعي لإقرار حقيقة جديدة؟ بل لندع كل ذلك ولنتساءل لماذا تقدم حكومة جنوب السودان دعماً لفرقتين عسكريتين داخل حدود السودان؟ هل من شأن هاتين الفرقتين استناداً الى الدعم الجنوبي أن تتغلبا على الجيش السوداني ؟ لقد قضي الجيش الشعبي بأسره عقدين من الزمان يقاتل الجيش السوداني ولم يستطع أن يتغلب عليه، فهل تتمكن فرقتان من التغلب على الجيش السوداني ؟ إن مغزى إقرار أموم ومن قبله إقرار رئيسه سلفا كير هو أن المخطط الجنوبي - الذى يبدو أكبر من تفكير وتدبير دولة الجنوب - يتقدم نحو مرحلة جديدة وخطيرة، وهى مرحلة اللعب على المكشوف والحرب المفتوحة، ولعل هذه اللعبة تتوسل الآن بالمفاوضات الجارية فى أديس أبابا، حيث تغيب أى مؤشرات لأي جدية على الجانب الجنوبي، وحيث يبدو أن المحادثات ليست سوي غطاء الغرض منه التظاهر – دولياً – بأن دولة الجنوب تحاول حلحلة خلافاتها مع السودان عن طريق التفاوض، ولكن ما يجري بعيداً عن طاولة المفاوضات أمر آخر خطير، وخطير جداَ!