ربما تثير قضية احتلال هجليج قضية أخرى ما زالت تشتعل تحت السطح ولم تظهر بعد بشكل قوى للعيان. فالصراع بين قبيلتي الدينكا والنوير صراع قديم قدم القبيلتين يظهر على السطح ويخبو حسب الظروف ومقتضيات الأحوال . هذه المرة يبدو انه مرشح للظهور بشكل علني وقوى. تتميز قبيلة الدينكا بكثافة عدديتها بينما يتميز النوير بأنهم مقاتلون أشداء، ومن هنا اكتسبت القبيلتان أهميتهما وتقاسما تلك الأهمية بين قبائل الجنوب. المشكلة المرشحة للتصاعد أن النوير يشتكون من أن هناك عملية إبادة منظمة لقبيلتهم رتبت لها حكومة الجنوب باصطناع غزو هجليج والسيطرة عليها، بينما الظاهر للعيان عسكرياً أن العملية كلها عملية فاشلة وستنتهي بهزيمة نكراء للجيش الشعبي. ما ظهر للسطح حدثان لفتا الانتباه في أيام الحرب الأولي دون أن يجد تفسيراً واضحاً: الحدث الأول خبر بثته وكالات الأنباء يقول إن نائب رئيس الحركة الشعبية ونائب رئيس دولة الجنوب الدكتور رياك مشار كان يقود حرب هجليج من غرفة عمليات في العاصمة جوبا. الحديث الثاني بثته الوسائط الإعلامية في وقت لاحق يقول إن الخلافات اشتعلت بين رئيس الحركة الشعبية سلفاكير ونائبه رياك مشار، ويقول الخبر إن سبب الخلاف هو حرب هجليج. بالنسبة للخبر الأول أن الدكتور رياك مشار هو أهم شخصية (نويراوية) في حكومة الجنوب وعلي مستوي دولة الجنوب، والإشارة إليه بصفة خاصة كان تحسباً لما سيثور بعد ذلك. بالنسبة للخبر الثاني هو ما يجري بشكل سري ويقوده القيادي في الجيش الشعبي وأحد الشخصيات المهمة في قبيلة النوير هو اللواء بيتر قاديت. وما يجري تحت السطح حركة اتصالات واسعة بكل النوير في أنحاء العالم، وخاصة أولئك المستقرين في الولاياتالمتحدة وأوربا، وتنويرهم بما يحدث. ويتوقع أن يتطور ذلك لأحداث كبيرة داخل الجيش الشعبي. التركيبة الهشة لدولة الجنوب يمكن إن تتكور لصدام لا يتكهن أحد بنتائجه. وما قد ينتج عن فوضي قد تكون مغلقة داخل الدولة الوليد أو قد تنفجر خارجها. وستنتشر آثارها في الدولة التي تحادد دولة الجنوب. ماذا سيكون موقف السودان من مثل تلك التطورات أن حدثت. هناك ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول، هو دعم الفوضى في الجنوب كنوع من التدخل السلبي في دولة أخرى، وقد يدفع من يتخذ مثل هذا القرار قناعتهم بأن موقف متمردي الجنوب من السودان ربما يكون أفضل من موقف حكومة الحركة الشعبية، وقد سبق أن رفضنا مثل هذا الموقف في تدخل الجنوب بدعم متمردي السودان في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور. الاحتمال الثاني، هو مساعدة الجنوب في حصار الفوضى والعودة للاستقرار وبناء دولته في أمان. اتخاذ مثل هذا الموقف سيلجم كل المتشددين ضد السودان داخل الحركة الشعبية. الاحتمال الثاني، هو اتخاذ موقف اللامبالاة مما يحدث في الجنوب، وهو ما سيطيل أمد الحرب والصراع في الجنوب وربما يزيد عدد الضحايا بسبب طول زمن الصراع. وبعد.. ليس من حق أحد أن يحدد الموقف السليم في الجنوب إلا عند دراسة الوضع في الجنوب دراسة واقعية ومتأنية وتنبني على المعلومات. أتمني أن يكون تدخلنا في الجنوب ايجابياً فهم جيراننا وأهلنا مهما حدث. نقلاً عن صحيفة الرائد 2/5/2012م