بدأت أزمة الزجّ بقبيلة النوير فى أتون الحرب المتواصلة التى يقودها الجيش الشعبي تمهيداً لإبادة القبيلة، والحد من وجودها بالتفجُّر، وقد سبق أن تناولنا هذا الأمر فى تحليلات سابقة بإعتبارها بداية لنزاع قبلي حاد من المنتظر أن يحيل دولة جنوب السودان عاجلاً أم آجلاً الى محرقة إثنية واسعة النطاق قد تعيد الى الأذهان ذكري مواجهات الهوتو والتوتسي فى رواندا العام 1994م . وقد بدأت تظهر بين قبيلة النوير حالات ململة ورفض لما يجري التخطيط له وكانت أبرز حالات الرفض هى رفض الحرب فى منطقة هجليج بإعتبار أن هجليج – وهذا هو منطق الذين أدركوا جوانب الخطة – تقع ضمن مناطق النوير، ولا تقع فى مناطق الدينكا. وقد بدأ التملمُل من الخارج من أبناء النوير فى دول المِهجر الذين حرصوا غاية الحرص على إقناع أهلهم بالإمتناع عن المشاركة فى الحرب التى جرت فى هجليج بإعتبارها حرباً لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولا تقع ضمن مناطقهم، وفوق ذلك فهي حرب -كما قالوا- عديمة الجدوى. و تشير متابعات (سودان سفاري) فى هذا الصدد الى أن بعض قيادات الحركة بدول المهجر المنتمين لقبائل النوير أرسلوا خطابات ساخنة، شديدة اللهجة الى قيادات أخري بالداخل يفندون فيها دعاوي الحرب فى هجليج، ويحبطون خطة الزج بأبناء النوير فيها. ويشير خطاب بهذا الصدد الى أن العملية فى مجملها لا تستند على أساس وجيه، حيث يتساءل أحد القيادات من قبيلة النوير عن السِر وراء الطلب من النوير المشاركة فى معركة هجليج فى الوقت الذى فيه سبق وأن تقرر أن هجليج تقع ضمن مناطق شمال السودان – وفق مرجعية الهيئة التحكيمية التى نظرت فى النزاع بلاهاي العام 2009م؟ ويَعتِب الخطاب على قادة الحركة الشعبية كونهم رضوا وقبِلوا ذلك الواقع فى حينه لأنه لا مجال لقبول جزء من قرار لاهاي ورفض جزء آخر؛ كما أشاروا الى أنَّ الأمر كان منذ البداية وحتى قبل اللجوء الى التحكيم يشير الى أن هجليج تقع ضمن مثلث أبيي الذى يخص قبيلة الدينكا، ويتساءل الخطاب عن ما جدَّ بعد ذلك ليجعل هذه الحرب حرباً خاصة بأبناء النوير؟ وبوسع كل من يطلع على الخطاب أن يستشعر مرارة بائنة فى سطوره وأحرفه حرص مرسله على إبرازها ضمن تعبيراته مستنداً على منطق سياسي وقانوني واضح لا مجال للمغالطة فيه. ويكشف هذا الموقف الذى بدأ فعلاً بالفجر عن تفاقم هذه الأزمة القبلية من جهة، وبداية تفكُك خطير جداً داخل الحركة الشعبية والجيش الشعبي، الأمر الذى يمثل خطورة ما بعدها خطورة خاصة إذا وصل الأمر – هو واصلٌ لا محالة – الى نقطة الصدام الحتمي المنتظر. وقد تلاحظ فى هذا الصدد – بوضوح كامل – أن بعض منسوبي الجيش الشعبي (ضباطاً وجنود) رفضوا الانصياع لأوامر نائب الرئيس الجنوبي د. رياك مشار المنحدر من قبيلة النوير وتخلوا عن القتال، الأمر الذى أسهم – ضمن عناصر أخري – فى إلحاق شر هزيمة بالجيش الشعبي فى هجليج وصلت خلالها الأمور الى حد الفرار والهروب من ميدان القتال كأسوأ حالة يصل إليها المقاتل فى ميدان القتال. إن التنافس التاريخي بين الدينكا والنوير فى جنوب السودان بدأ يأخذ منحيً خطيراً جداً للغاية حيث يستشعر الدينكا أن قبائل النوير توشك على بسط سيطرتها علي الدولة متجاوزة الوضع التاريخي للدينكا، وهو أمر يصعب بل ويستحيل على أبناء الدينكا إحتماله، مما يشير الى أن حرباً طاحنة فى الطريق، بإعتبارها الوسيلة الضرورية المثلي لمعالجة هذه المعادلة الصعبة والمعقدة!