من المؤكد أن هنالك جهات دولية، بعضها مرتبط بجهات محلية في السودان سوف تسعى إما لعرقلة عملية الانتخابات، أو اثارة الغبار حولها اذا لم تف النتيجة بما كانت تريده. ولم يكن رئيس اللجنة العليا لتأمين الانتخابات اللواء شرطة أحمد التهامي يتحدث من فراغ وهو يسوق هذه الفرضية المتوقعة، وقد قال التهامي ان لديهم علم بعدد من المخططات والسيناريوهات الهادفة لخلق فوضى في البلاد بالتزامن مع عملية الانتخابات لافسادها أو هز ثقة الناس بها، ووصل سقف توقعات اللواء التهامي الى حد بروز عمليات إغتيال، مشيراً الى أن الشرطة السودانية ومنعاً وتحوطاً لهذه السيناريوهات اتخذت تدابيرها اللازمة. ولا شك أن هذه الفرضية تظل قائمة خاصة اذا قرأنا مواقف العديد من القوى السياسية سواء القوى السياسية العاملة في الساحة أو تلك التي لا تزال تحمل السلاح في دارفور كحركة الدكتور خليل وحركة عبد الواحد محمد نور. ففي ما يتعلق بالقوى السياسية السودانية المعارضة فإنها حاولت من قبل – كما شهدناها أواخر العام المنصرم – التظاهر، واثارة قدر من الغبار حول اجراءات الانتخابات تحت مزاعم شتى، ربما كان بعضها معقولاً ولكنها كانت تطمع الى ما هو أكبر من ذلك باحثة عن حكومة قومية يجري تمثيل كل الاحزاب فيها، وتأجيل الانتخابات بغية إتاحة الفرصة لحل أزمة دارفور، وهي دعاوي ظاهرها ربما بدأ صحيحاً ولكنها في باطنها تستبطن قضايا خاصة جداً بهذه القوى وهي أن يتاح لها الإمساك ببعض مقاليد الأمور واعداد نفسها، لتخوض انتخابات وهي (ضامنة) لها في مسعى شبيه بفريق كرة قدم يشترط المشاركة في التحكيم، وفي التدريب، وفي اعداد الملعب ثم يتم تمكينه اثناء المباراة من احراز الهدف! ولا تزال بعض هذه القوى السياسية وبدلاً من أن تفوق من سباتها وتواجه تحدياتها وتجتذب الناخبين لا تزال تراهن على مقاطعة الانتخابات تارة، وتأجيلها – بدعاوي مضحكة – تارة أخرى ومن المفروغ منه أن قوى سياسية بهذا الارتباك، والضعف واليأس من الفوز لن تتوانى عن (فعل أي شئ) يحول دون قيام الانتخابات. أما الحركات المسلحة فهي دون شك تستشعر ضرراً بليغاً اذا قامت الانتخابات في موعدها سواء توصلت لاتفاق سلام أو لم تتوصل ففي الحالة الأولى لن يسعفها الوقت لخوض الانتخابات واذا خاضتها فسوف ينكشف وزنها ويقضي عليها سياسياً وفي الحالة الثانية فإنها لن تستطيع خوض انتخابات وهي حديثة عهد بالسلام ولا تزال تاهئة في الميدان وعليها وعثاء الفيافي والغفار!! وهي ايضاً – في الحالتين – لن تكون سعيدة بقيام الانتخابات في ظل تضاؤل فرص تأجيلها. وهكذا فإن المخاطر الأمنية التي تواجه الاستحقاق الانتخابي في السودان مخاطر حقيقية يصعب على أي مراقب حصيف التقليل منها، ويبقى من المهم بعد ذلك أن تعمل الجهات المسؤولة على وضع التدابير اللازمة التي من شأنها تأمين مناخ مواتي لهذه الانتخابات حتى لا تدخل البلاد – بفعل فاعلين معروفين – في أتون صراع إضافي آخر لا يدري أحد كيف ومتى سينتهي؟