قال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الخاص فى السودان ان هجليج ليست أرضاً سودانية، وحسبما أوردت صحيفة (سودان تريبيون)، الاثنين الماضي، فإن المبعوث الأممي الخاص (هايلي منكريوس) قال ضمن محادثات أجراها مع مسئولين جنوبيين فى العاصمة الجنوبية جوبا، مطلع هذا الاسبوع (إن الحكم الصادر من محكمة لاهاي لم ينص على تبعية هجليج لشمال السودان، وإنما حدد حدوداً لمنطقة أبيي المتنازع عليها بين البلدين وأن هجليج لا تقع ضمن حدود أبيي)! وما من شك ان هذه التصريحات ومهما كانت دواعيها ومبرراتها وسواء كانت بحسن نية أو بغير ذلك فهي ضارة غاية الضرر بالعلاقة بين المنظمة الدولية والسودان؛ فهي من جهة أولي بمثابة تدخل (غير حميد) فى شأن لا يخص لا من قريب ولا من بعيد المنظمة الدولية، ولا يقع ضمن نطاق تفويض السيد منكريوس الذى كاد أن ينطبق عليه القول المعروف "صمت دهراً ونطق كفراً"، بإعتبار ان الرجل ومع أن سجله طوال مدة وجوده فى السودان لم يخلُ من أخطاء وهنّات، إلا أنه لم يكثر من الحديث والتصريحات على هذه الشاكلة. من جهة ثانية، فإن السيد منكريوس (تبرّع) – دون أن يطلب منه أحداً ذلك بتقديم (تفسير قانوني) للحكم القضائي الصادر عن الهيئة التحكيمية فى لاهاي فى العام 2009م وهو حكم وإن كان فى حاجة الى شرح وتفسير، فإن المختص بذلك ليس السيد هايلي بحال من الاحوال، لأنّ الاممالمتحدة لا تعمل فى مضمار تفسير القرارات القضائية، ولا السيد هايلي يحوزعلى شهادة تتيح له ممارسة هذا العمل. كما أن من الغريب حقاً ان السيد منكريوس لم يتبرع بهذا التفسير منذ تاريخ صدور القرار قبل نحو من عامين وكان وقتها موجوداً، فلماذا يا تري قدم هذا التفسير فى هذا الوقت بالذات؟ وبعد أن بدأت جوبا تنازع فى هجليج؟ بل وبعد ان أحتلتها وعاثت فيها فساداً قبل أن يتمكن الجيش السوداني من إلحاق الهزيمة بها وإخراجها من هناك عنوة. من جانب ثالث، وعلى فرض أن قرار لاهاي لم يقرر بشأن هحليج كما زعم منكريوس فإن مجرد وقوع المنطقة شمال خط 1956 منذ مفاوضات نيفاشا 2005، وإقرار الطرفين بذلك يقطع دابر أىّ تشكيك أو محاولة للمنازعة بعد كل هذه السنوات، فالقضية هنا لا تتصل بقرار لاهاي من عدمه بقدر ما تتصل بحدود معترف بها بين الطرفين طوال التسعة سنوات الماضية وطوال فترة الانتقال. من جانب رابع فإن الاممالمتحدة – بهذا التفسير الطوعي – فقدت عنصريّ المصداقية والحياد؛ على الرغم من أن هذين العنصرين من الأساسس غير متوفرين بأىّ درجة لدي المنظمة الدولية، فقد دخلت الاممالمتحدة وعلى غير انتظار كحليف دولي للدولة الجنوبية وممثلة للإدعاء نيابة عنها وهو ما يجعل من إمكانية قيام الاممالمتحدة بدورها المطلوب فى السودان - عقب هذه التصريحات غير الموفقة - ضرباً من المستحيل. وفيما يبدو أن السيد منكريوس ماضٍ لا محالة بإتجاه ما آل إليه مصير سلفه السابق يان برونك، الذى أعادت الخرطوم شحنه الى بلد المنشأ حين تبيَّن لها أنه لم يكن مطابقاً للمواصفات!