شهدت العاصمة اليوغندية كمبالا فى الفترة من الثامن والعشرون من مايو الماضي إلى الأول من يونيو الجاري إجتماعاً لقادة ما يسمي بالجبهة الثورية، وهو الاجتماع الذى جري عقده بشق الأنفس وبعد خلافات وتنازعات إمتدت لأشهر، ولهذا وحين انعقد الاجتماع رغم كل الجهد الذى بُذل والمال الذى أنفق لم يكن هواء القاعات نقياً، ولا قسمات الوجوه هادئة، ولا نبرات الصوت والألسُن صادقة. كان واضحاً أن الفرقاء الذين ربما أجبرتهم جهات أجنبية لإنشاء التحالف متكلفة بمصروفاته ودعوماته يعاني هشاشة واضحة فى العظام، ولكن لم يكن بيدهم شيء فهم مأمورون. وأياً كان الزمن الذى استغرقه الاجتماع فإن جل الوقت وبمقدار ما يجاوز ثلثه -وفق مصادر لصيقة بمجرياته- تم إنفاقه فى الخلافات والتلاسنات التى وصلت كما كان متوقعاً الى درجة التنابذ بألقاب عنصرية، وعبارت شائهة شائنة. وتشير متابعات (سودان سفاري) ان أكثر ما ردّدته جنبات القاعة الباردة التى احتضنت الاجتماع العاصف، ملاسنة بالغة الحِدة جرت بين كل من ياسر عرمان وعبد الواحد محمد نور؛ الاثنين غرماء وإن أجبرتهما ظروفهما للتحالف المصنوع، والاثنين يعانيان من قلة الخبرة السياسية إلا من تجربة أركان النقاش فى الجامعة، وأحاديث المغالطات التى لا تغني ولا تسمن من جوع، والأكثر سوءاً أنهما إنتقلا من اقصي اليسار الى اقصي النظام الرأسمالي الغربي دون شعور بحياء ولا كلفة تغيير الجلد كما تفعل الثعابين. وكانت ذورة الخلاف الذى فشلت كل جهود الحضور فى إحتوائه حين عبثت الألسن بالجهويات وعنصر العرق والدم، حيث لم يجد عبد الواحد حرجاً من وصف عرمان بوصف (الجلابة) رداً على وصف عرمان اللاذع لعبد الواحد بجياشة، ولم يكن والحال كهذه من بُد سوي ان تشتبك الأيدي وتلامس الأظافر الهائجة أطراف الوجه محاولة اقتلاع جزء منها وهنا اضطر الملحق العسكري الجنوبي بسفارة دولة الجنوب فى يوغندا للتدخل منعاً لقتال كان على وشك أن يندلع فى مشهد صارخ ينبئ بمآلات المستقبل الذى ما يزال بعيداً كما السراب. الاجتماع بهذا المشهد دخل ساحة خطيرة رحبة، هى ساحة التجاذب العنصري التى كان عرمان وإلى عهد قريب يذم بها السودان، ويدعي زوراً أن الشمال السوداني يمارسها على ابناء الجنوب؛ فهاهم الذين حملوا علي عاتقهم مهمة تغيير الاوضاع فى السودان وإزالة النظام الحاكم يتعاورون كرة العنصرية اللاهبة يتنابذون بها وبألقابها فى إجتماع حضره حولي 14 قيادي! كان واضحاً ان التحالف الذى يعولون عليه شديد الهشاشة وغارق فى خوَر وضعف بائن لا دواء له ؛ ولهذا جاء البيان كما كان متوقعاً والذى تلاه أبو القاسم إمام، ذلك المتمرد الذى ما تمرد إلاّ بعد أن تمت إقالته من ولاية غرب دارفور، بياناً يحمل ذات هُزال وضعف الاجتماع الذى لم يشهد نقاشاً بأىّ مستوي لائق، فالقادة أنفسهم كانت تنقصهم اللياقة وتفوح منهم أبخرة التيه والإختلال! لم يحمل البيان الختامي جديداً، ذات العبارات والكلمات عديمة المعني من شاكلة اقتلاع النظام ومزاعم التحول الديمقراطي وتوحيد الصفوف هى التى أمكن لمسئول الاعلام أن يخطها بيد مرتجفة وبال شارد وذهن مكدود! لقد كان إجتماع الجبهة الثورية هذا أبلغ دليل على ان التحالف يبحث عن خطوط ضوء إعلامية، أىِّ فرقعات تعيده الى الحياة ولعل هذا هو السبب الذى جعل عرمان وعقار يطيران بهذه الحمولة السياسية الثقيلة الى أديس أبابا، فى محاولة لدخول القاعات هناك عسي ولعل أن يجدا شيئاً بدلاً من قاعات كمبالا التى ضجت بالخلافات والشتائم، والألفاظ غير السياسية !