تكفلت الظروف والمعطيات الداخلية والخارجية بطبيعة تكوين تحالف ما يسمي بالجبهة الثورية بإصابتها بعجز كلي من المنتظر أن يتفاقم ليصل الى مرحلة الشلل التام فى الايام القليلة المقبلة. والغريب هنا ان ما يسمي بتحالف الثورية ومنذ نشأنه قبل أشهُر مدججاً بالسلاح، مفعماً بالآمال العراض والطموحات مسنداً ظهره الى جوبا وكمبالا لم يكلف الحكومة السودانية وقواتها المسلحة شيئاً، فقد أصيب بداء (النقرس السياسي) الذى أعاق تحركاته جراء إفراطه فى تناول أطعمة سياسية أجنبية لم يحتمِلها جسده المنهك المكدود! فقد وقع الخلاف منذ الوهلة الأولي بين ياسر عرمان وعبد الواحد محمد نور سواء بسبب الخلفيات الخاصة بهما والتى باعدت بينهما لسنوات، أو بسبب التسابق غير المتكافئ لكليهما بإتجاه الراعي الرسمي للحفل! وكما أشرنا من قبل فقد تنابذ عرمان وعبد الواحد تماماً كما يحدث فى أسواق الشغيلة، ومجالس الدهماء! ووجدت العبارات ذات الايحاء الإثني والعنصري طريقها الى الألسن وإحمرَّت الوجوه والأعين، وقد أدي ذلك الى انهيار مؤتمر التحالف وتفرُّق قادته وتباعدهم. لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد تفاجأ ميناوي أحد قادة التحالف، بحريق مفاجئ داخل حركته، أدي لإنسلاخ وخروج قادة ميدانيين سئموا تماماً عمليات النهب والسلب وقطع الطريق على الأهالي البسطاء فى أرجاء دارفور . وتقول قصة مؤثرة ذات بُعد إنساني أليم إنَّ أحد جنود مناوي فى إحدي عمليات النهب أُصيب بصدمة كبيرة أفقدته تماسكه وأعصابه تماماً ودخل فى حالة هياج حين أكتشف أن الغارة التى شنّوها طالت أقرباء من أسرته الكبيرة ومن بينهم نساء وأطفال. حركة مناوي يجري الآن إعادة تنظيمها بعيداً جداً عن قادئها مناوي، بغية الدخول فى مظلة السلام وقد أكد ذلك قائد ميداني يُدعي عبد الرسول ابراهيم بلغ به السخط مبلغاً عجز عن كتمانه. فى سياق ذي صلة تساقط جنود عبد العزيز الحلو فى جنوب كردفان، بعد عودة بعض أبناء النوبة من الولاياتالمتحدة مؤخراً وإداركهم إن الأمور لن تمضِ كما كان يقول لهم ويمنِّيهم الحلو؛ ولعل أصدق دليل على تراجع قوات الحلو مطالبة كلٌ من عرمان وعقار بعد عودتهم من أديس أبابا مؤخراً بتوقيع اتفاق وقف عدائيات مع الحكومة السودانية، تجاهلته الحكومة السودانية وخشي من عرضه الوسطاء الافارقة على طاولة التفاوض. وتشير متابعاتنا فى هذا الصدد ان الحكومة الجنوبية التى ظلت مواظبة على سداد مرتبات جنود الفرقتين 9 و 10 فى جنوب كردفان والنيل الأزرق تواجه الآن مأزقاً حقيقياً فى الوفاء بهذه المرتبات فى ظل الاوضاع المالية السيئة التى تعيشها بسبب فقدان عائدات البترول، بل إن الحكومة الجنوبية تعتمد حالياً على مِنَح تقدمها لها واشنطن لسداد مرتبات الجيش الشعبي فى الجنوب وهو أمر لا يُعتقد أنه سوف يستمر حتى ولو كان على سبيل الدين والاقتراض. إذن لم يبق للذين أنشأوا ما يسمي بالثورية من شيء، فكل الحقائق الماثلة تشير الى ان التحالف يتآكل ويتراجع والصعوبات تثور أمامه كأنها جبل شاهق، وآخر العنقود حركة العدل والمساواة التى فشلت فى كل ما خططت له ووقف التمويل حجرةعثرة أمامها، ووقع بداخلها انفجار مكتوم ربما لم يحن الوقت بعد للكشف عنه بعدما أنقسمت لمجموعات علمانية وأخري إسلامية ما من سبيل ليمضيا معاً، ولا من مخرج للحل. لقد تكلست ما يسمي بالثورية، وأصبحت فى إنتظار حكم التاريخ الذى لا يجامل ولا يحابي أحداً!