ليس هنالك من عاقل بمقدروه إسقاط تقرير المدعي العام المنتهية ولايته لويس أوكامبو الأخير الى مجلس الأمن من حسابات بعض أعضاء المجلس بشأن المفاوضات الجارية الآن بين السودان وجنوب السودان فى مقر الاتحاد الافريقي بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا. من المؤكد أن التقرير داخل لا محالة فى حسابات بعض القوى كورقة ضغط اعتقدوا خطاً أنها ربما تسهم فى الضغط على السودان لتليين موقفه هنالك لصالح الطرف الجنوبي. صحيح ان التقرير روتيني ودوري ومحدد تاريخه مسبقاً؛ وصحيح ان التقرير رغم كل ما بذله مقدمه فيه، جاء ركيكاً كسابقيه ولم يتضمّن جديداً حاكياً عن أزمة العدالة الدولية المرتجاة، وأضاف اليه مقدمه أوكامبو حادثة درامية تكفلت بإفراغه تماماً من أهدافه. ولكن بالرغم من كل ذلك هنالك من سعي لإضافته فى الحساب! فقد ظلت الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص تستخدم ورقة الجنائية بإستمرار كلما عرض لها أمر أو ضاقت بها الخيارات بشأن التعامل مع السودان حتى اصبحت هذه الورقة الصفراء مهترئة غير صالحة للتداول ولكنها لم تتخلص منها حتى الآن. واذا كان من الصعب الجزم بأن مواعيد تقديم التقرير حُددت من قبل لتتزامن مع هذه المفاوضات فإن من السهل الجزم بإفتراض عكسي تماماً، وهو أن المفاوضات أُريد لها أن تتزامن مع موعد التقرير، إذ أننا جميعاً نعلم أن مندوبة واشنطن لدي مجلس الامن (سوزان رايس) هى التى عكفت على صياغة القرار 2046 فى أبريل الماضي ولم تنسي رايس وهى تضع العبارات والجمل هنا وهنالك بغرض إحكام الصياغة أن تشير فيها الي أيّة توقيتات تتزامن مع توقيتات أخري تعلم هى مسبقاً أنها توقيتات ذات آثار ونتائج على ما تضعه هى من توقيتات فى القرار، ولهذا جاءت نصوص القرار حاوية لقيود زمنية قاطعة، مثل ضرورة استئناف المحادثات خلال أسبوعين بين الدولتين، السودان وجنوب السودان، وهو ما حدث بالفعل وإن تجاوز الطرفين مدة الاسبوعان؛ ولا شك ان رايس كانت تفترض ذلك وتدرك ان المدي الزمني المحدد فى القرار ربما يمتد لثلاثة أسابيع، وهو ما قد يتزامن، بل يتحتَّم أن يتزامن مع موعد إدلاء المدعي العام بتقريره حتى تتكاثف ظلال التقرير بشدة على مائدة التفاوض هناك فى أديس أبابا. ولعل اكثر ما يدعم هذه الفرضية بقوة أن اوكامبو طالب المجلس بضرورة أن يصدر قراراً يلزم فيه المنظمات الدولية والاقليمية ودول العالم بالعمل على إنفاذ مذكرات التوقيف بحق المسئولين السودانيين، إذ من المؤكد ان هذا المقترح وبإعتباره الشيء الجديد الوحيد الذى جاء فى تقرير أكامبو، قد تم التفاهم بشأنه ما بين واشنطن ولاهاي فى إطار التفاهم والتشاور المستمر بينهما حتى يتسنّي لواشنطن ممارسة ضغط أكبر على الخرطوم. ولكن هل نجحت العملية؟ الواقع أن العملية لم يكن مقدراً لها أن تنجح من الأساس لأنّ الورقة كما قلنا فقدت قيمتها ولم تعد صالحة لأيِّ استخدام ، إذ أن الاعراف الدبلوماسية ستظل جحر عثرة دون إنغماس دول العالم فى إفساد العلاقات الدولية بالجري وراء توقيف رئيس جمهورية، كما أن السودان الذى لم يتأثر مطلقاً فى تحركات رئيسه ومسئوليه دولياً غير عابئ بالمذكرة ولا ينتظر بعد كل هذه السنوات أن يتأثر لمجرد تزامنها مع مفاوضاته الشاقة مع دولة جنوب السودان فى ظل ضعف الموقف التفاوضي الجنوبي مقابل الموقف التفاوضي السوداني. لقد لعبت رايس وأوكامبو اللعبة، ولكن لم يتحقق الهدف فى المرمي كما كان مقرراً!