الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين الخرطوم وملاوي بسبب نية الأخيرة توقيف الرئيس عمر البشير حال حضوره قمة الإتحاد الأفريقي التاسعة عشرة التي كان مقرراً عقدها في ليولونجوي العاصمة الملاوية في التاسع من يوليو المقبل وحتى السادس عشر منه، كان سببها الجنائية والتضييق على الخرطوم. التضييق على الخرطوم يتم بمساندة بعض الدول الغربية لإدخال الخرطوم بيت الطاعة، وليمتد الضغط على السودان عبر الدول الضعيفة التي تعتمد في اقتصادها على الغرب، ومنها ملاوي التي تتلقي (350) مليون دولار سنوياً من الدعم الذي تقدمه الولاياتالمتحدة لها عبر صندوق التنمية الأمريكي. ويعضد ذلك قول جويس باندا رئيسة ملاوي التي اختارت مصلحة بلادها مع المانحين على شعارات الوحدة الأفريقية، وقالت: (على الرئيس البشير أن يغفر لنا هذه المرة، فنحن من أجل إصلاح اقتصادنا). ويمتد الضغط عبر القانون الأمريكي الذي أجازه الكونغرس مؤخراً والذي يدعو لإحكام الخناق على حكومة الخرطوم وإنزال العقوبات على الدول التي تدعم السودان، إضافة إلى المنظمات الإقليمية. وكذلك الإتحاد الأفريقي كمنظومة إقليمية تحظي بالشرعية والثقة بين دول القارة، وتخطو بسرعة فائقة إلي الوقوف في منصة الدفاع عن تلك الدول أيضاً لم تبعد عنها أيدي التدخل الغربي خاصة بعد موت العقيد الليبي معمر القذافي الذي تباينت رؤى المنفعة والضرر بموته، لكنه قطعاً دفع بلاتحاد الأفريقي نحو الاستقلال المالي، والسياسي في قراراته، ومن المعروف أن قمة الاتحاد التي عقدت في سرت الليبية يوليو العام 2009م تميزت بمواقف ثابتة وواضحة من المحكمة الدولي، بموجب قرار القمة رقم (245) ومقررات القمم السابقة، وآخرها قمة أديس أبابا في يناير الماضي، والتي جدد فيها الرؤساء الأفارقة، بموجب القرار رقم (397) رفضهم التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية فيما يتصل بحصانة الرؤساء والمسئولين، وعبروا عن دعمهم لموقف السودان في هذا الصدد، لتتخلف ملاوي الآن ومن قبلها كينيا ويوغندا من ركب الاتحاد الإفريقي بشأن الجنائية. كل تلك الضغوط والضربات لم تنجح في إثناء حكومة الخرطوم في العدول عن موقفها الرافض للجانئية وقانونيتها، لتبدأ المعركة الدبلوماسية وتنجح الخرطوم في نقل المواجهة بين الاتحاد الإفريقي ودولة ملاوي لتكسب الخرطوم نقل القمة الأفريقية بحضور الرئيس البشير (اذا رغب) إلي أديس أبابا في موعدها المضروب، واستندت الخارجية السودانية في مرافعتها للاتحاد الإفريقي على عدم التزام ملاوي بالنظم واللوائح، ومخالفة المادة الخامسة من لائحة الإجراءات الداخلية المنظمة لعمل الاتحاد الافريقي والمتمثلة في إعلانها عدم ترحيبها بمشاركة الرئيس عمر البشير في القمة بدعوي الالتزام بقرارات المحكمة الجنائية، وكذلك توفير المناخ الملائم لانعقاد القمة، ومن ثم تقدمت الخرطوم بطلب رسمي لمفوضية الاتحاد الإفريقي لنقل القمة إلي أديس أبابا العاصمة الأثيوبية مقر الاتحاد بدلاً عن ليولونجوي الملاوية. وعزا السفير عمر صديق وكيل الخارجية بالإنابة في تصريحات صحفية عقب تنوير ثدمته الخارجية لسفراء دول الاتحاد الإفريقي أمس الأول، طلب السودان لفشل حكومة ملاوي في الالتزام بما تقتضيه الواجبات الخاصة باستضافة القمة، وأكد مشروعية الطلب واتساقه مع القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي، وقال إن مصلحة إفريقيا وملاوي عقد القمة خارج ملاوي لأنها تتناول قضايا مهمة تشمل قضية السلام في دارفور، ورعاية الاتحاد الإفريقي مفاوضات السلام بين السودان وجنوب السودان. وأكد صديق أن طلب ملاوي باستثناء الرئيس عمر البشير من حضور القمة غير قانوني لأن رئيس الجمهورية لا يذهب إلي ملاوي لزيارة خاصة وإنما لحضور قمة إفريقية، وأشار إلي أن رئيس الاتحاد الإفريقي ومعظم الدول الإفريقية تعارض اتجاه ملاوي التي قال إنها دولة مضيفة وليس لها الحق في تحديد من يحضر القمة ومن لا يحضر، ووصف قرارها بأنه مبني على المصالح الاقتصادية وليست السياسية. ورد السفير العبيد مروح الناطق الرسمي باسم الخارجية، موقف ملاوي لعدم احتمالها الضغوط الخارجية، إضافة لتلقيها تهديدات من المانحين بوقف الدعم وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأوضح مروح في حديثه ل(الرأي العام)، أن تصريحات ليولونجوي ظهرت منذ حكم الرئيس السابق لملاوي، وأن الخرطوم ظلت تتابع الموقف حتى تأكدت من جديتها في الطلب الرسمي الأخير الذي تقدمت به للاتحاد الإفريقي بعد عزمها تقديم الدعوة للرئيس عمر البشير لحضور قمة الاتحاد، بجانب طلبها عمليا من مجموعة ال(8) التي انعقدت في بنين – الرئيس الحالي للاتحاد – لبحث كيفية اختيار رئيس المفوضية، طلب ملاوي بعدم تقديم الدعوة للبشير، وقال إن الاتحاد على مستوي المفوضية رفض الطلب، وكذلك ثبت للسودان بالدليل القاطع عدم احتمال ملاوي للضغوط، وأشار إلى أن بعض المناصرين للجنائية بدأوا يستغلون الدول الأفريقية للخروج بمواقف ضد السودان. وأوضح مروح أن النظام الداخلي للاتحاد الأفريقي يحدد شروط الاستضافة للرؤساء ويقول أنها لا تعني الدولة المضيفة، وزاد: هذا مطبق في كل المنظمات الإقليمية والدولية، وأشار إلى أنه اتساقاً مع هذا الموقف وحرصاً على أن الضغوط الخارجية المستهدفة لأفريقيا لا تنجح في الاختراق بدأت تحركات السودان التي انتهت بمخاطبة المفوضية وطلبت نقل القمة من ملاوي إلي أديس أبابا مقر الإتحاد، وقال إن دافعهم للتحرك كان هو عدم إفساح المجال للدول الخارجية لإحداث أثر في التحرك داخل القارة، وأكد أن السودان لم يجد صعوبة في قبول منطقه، وأشار إلى أن عدم منح الاستضافة سيحدث شرخاً في جسم الاتحاد الأفريقي ويضع سابقة خطيرة يمكن أن تتكرر. وأعتبر مروح ما تم نصر للقارة في توحيد موقفها، ونصر للدبلوماسية السودانية. وبرغم انحناءة ملاوي لعاصفة المصالح وخلعها جلباب الهوية الأفريقية، إلا أن الخرطوم نجحت في قلب المواقف لصالح القارة نفسها ووضعت ليولونجوي في مواجهة مع الاتحاد الأفريقي، ومدت لسان السخرية في وجه الجنائية بتحريك جندي الدبلوماسية السوداني قريباً من خانة الملك. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 10/6/2012م