نقلت الصحف السودانية قبل أيام توجيهات صارمة وجهها الدكتور حسن عبد الله الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي إلى قيادات الحزب، حظر بموجبها الإدلاء بتصريحات حول المحاولة الانقلابية الأخيرة. الترابي -بحسب الإنباء- أبدى ضيقه الشديد من تصريحات القياديين بالحزب، أبوبكر عبد الرازق وكمال عمر عبد السلام وخوضِهما في الأمور بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. غالب إنتقادات الترابي نال المسئول السياسي للحزب كمال عمر نصيب الأسد منها. ونظراً لجسامة الحدث ومخاطره على تماسك الحزب فإن الحزب في اليوم التالي سارع بنفي الخبر جملة وتفصيلاً. وهو نفي معروف الهدف ومفهوم المبررات، إذ ليس من السهل على قادة الحزب السكوت عن أمر كهذا من المؤكد أنه يقضي تماماً على مصداقية وجوده والمساحة القليلة من الحرية المتاحة فيه. وكأنِّي بمن تبنوا النفي أرادوا المداراة عن الحقيقة المعروفة من أنّ زعيم الحزب –شأنه شأن أحزاب طائفية معروفة– هو (كل الحزب). وتقول مصادر سياسية مطلعة فى الحزب فضلت -بإصرار- حجب إسمها، إن قادة الحزب ومنذ أكثر من عشرة أعوام يستشعرون مرارات خاصة جراء (الأسلوب القمعيّ) الذي درج زعيم الحزب على إستخدامه معهم والسخرية والحط من الأقدار ولكن ما من أحد من القادة -رغم صعوبة الاحتمال- واتته فكرة الخروج من الحزب أو إحداث إنشقاقاً لأنه - عملياً - يكون قد قضى على الحزب وقضى هو شخصياً على مستقبله السياسي، فالمأزق –كما يقول المصدر– يتجلّى فى أن الترابي هو (كل الحزب) ومن ثم فإن خروج أيّ قيادي منه هو دون شك بمثابة موت للشخص الخارج، أللهم إلا إذا إلتحق بالوطني كما فعل آخرون اضطرتهم الطريقة التي يدير بها الترابي الأمور للإلتحاق بالوطني. وقال المصدر إنه لا صحة البتة لما قاله المسئول السياسي بالحزب قبل أيام من وجود عناصر من الوطني تنوي الالتحاق بالشعبي وهذا التصريح (محض كذب) من جانب المسئول السياسي بغرض المداراة على العديد من التعقيدات داخل الشعبي والتي لا يعرف عنها العامة الكثير. والواقع أنه وحتى بعيداً جداً عما قالته المصادر المطلعة فى الشعبي، فإن الحزب يعاني من حالة إنهيار وشيك، فعوضاً عن الاصطدام بين زعيم الحزب وقادته من الشباب، وهو أمر ما يزال يتفاعل ويغلي كالمرجل، فإن نجل الدكتور الترابي هو الآخر قد فعل الأفاعيل فى الحزب بسخريته اللاذعة -غير المحسوبة- من قيادات الحزب بمنطقة شرق النيل، شرقيّ العاصمة السودانية الخرطوم، وقد أحدث نجل الترابي جروحاً سياسية وشخصية غائرة فى نفوس قادة تلك المنطقة وتأكد للعديدين أن الحزب فقد القدرة على إدارة قضاياه بطريقة ديمقراطية وسياسية عادية. والأدهى وأمرّ من ذلك إن الحزب يعاني حالياً من أزمة حقيقية فى الكوادر والقيادات، وقد تأكد ذلك حين ترامي إلى مسامع القيادات بأن نجل الترابي ربما يجري إعداده فى صمت لخلافة زعيم الحزب رغم فشله فى أول إختبار له فى ذلك. وهكذا، تبدو الأمور داخل حزب المؤثر الشعبي أخطر مما قد يتبادر إلى ذهن بعض المراقبين ويكفي فى هذا الصدد أن عناصراً معروفة - لم يحن الأوان بعد للكشف عنها - هي التي كانت قد تورّطت فى بث شائعة وفاة الترابي قبل أيام أملاً فى البحث عن ردود أفعال وقياس درجة الحرارة فى الجو السياسي العام ومعرفة ما قد تؤدي إليه. كما يكفي أن نعلم إن الترابي نفسه يعكف الآن على وضع ضوابط مكتوبة لطريقة تعاطي قيادات الحزب مع الشئون العامة وتكريس الأمور كلها بيد الأمانة العامة للحزب التي يصرّ على أن تكون فى حوزته هو شخصياً!