رغم أجواء التفاؤل التي حاول مفاوضو حكومة جنوب السودان إشاعتها، مع بداية الجولة الأخيرة الحالية إلا أن التشاؤم في الخرطوم هو سيد الموقف.. الخرطوم ترى أن جوبا لم تلتزم بوقف العدائيات حسب ما نص قرار مجلس الأمن رقم (2046) وهو القرار الذي يرى فيه كثير من المراقبين سيفاً مسلطاً على مفاوضي حكومة الخرطوم.. في نهاية الأسبوع الماضي هاجم الجيش الشعبي منطقة (ديم منصور) جنوب كبرى مدن ولاية النيل الأزرق المحاذية للحدود الشمالية الشرقية لدولة جنوب السودان.. إثر ذلك قال الجيش السوداني وعلى لسان ناطقه الرسمي: (إن كل المؤشرات تؤكد وجود دعم مباشر من حكومة جوبا لحركة العدل والحركات المسلحة الأخرى.. ليس هذا فحسب فهناك في ولاية الوحدة بجنوب السودان تتأهب أعداد من فلول حركة العدل والمساواة للهجوم مجددا على مناطق جنوب كردفان الآمنة.. جوبا بعد أن أضافت (6) مناطق جديدة لجملة المناطق الحدودية المتنازع عليها، أخذت تلوّح إلى اللجوء إلى العدل الدولية.. الخرطوم من جانبها اعتبرت التلويح قفزا على المراحل واستباقاً لمآلات التفاوض، وهي محاولة من جوبا للاستفادة من (ميزة) دعم المؤسسات الدولية لها وحالة (التدليل) التي تطوق عنقها.. وللخرطوم وجوبا تجربة في التحكيم الدولي حيث سبق أن أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا بشأن أبيي أكبر معضلات الخلاف الحدودي ولكن جوبا حسب رأي الخرطوم ركلت ذلك الحل ولم تعره أدنى اهتمام ومضت في زعمها بأن المنطقة تعود بالكامل لدولة جنوب السودان.. جوبا بالإضافة إلى الدعم الأمريكي لها، ترى أن الوقت ملائمٌ لحصد أكبر قدر من تنازلات الخرطوم التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وضغوط شعبية متزايدة احتجاجا على رفع الحكومة الدعم عن المحروقات لتزيد بمعدل يزيد قليلا عن الثلاثين بالمائة.. صحيح أن جوبا تعاني اقتصاديا أكثر من الخرطوم لكن ليس لديها مجموعات ضغط تستغل تلك الحالة الاقتصادية المتراجعة. الدعم غير المحدود للولايات المتحدةالأمريكيةلجوبا خاصة في مجلس الأمن جعل الخرطوم مترددة في تقديم شكوى إلى مجلس الأمن استنادا لقراره رقم (2046) للاحتجاج على خرق جوبا للقرار الذي نص على وقف العدائيات.. لاشك – في رأي الخرطوم - أن تجاهلا للشكوى سيقع وتطويلا ومماطلة لإجراءاتها ستتم حتما.. مازال هناك من هو مقتنع تماما بأن القرار المذكور ولاحقا هذه المفاوضات هما في الأصل محاولة لإعطاء الجيش الشعبي الفرصة لاسترداد أنفاسه بعد هزيمته في هجليج التي استردتها قوات الجيش السوداني.. أيضا فضلا عن لجم جماحه بعد قسم قادته بعد تحرير هجليج تنظيف الحدود واستعادة المناطق التي يحتلها الجيش الشعبي.. شخصيا لم أكن مقتنعا البتة بأن يرأس وزير الدفاع السوداني جانب بلاده في جولات التفاوض بينما قواته هناك على الحدود لا ترى أثرا لسلام أو تفاوض.. كان من الأجدى أن يبقى الوزير في قيادة الجيش مركزا جهوده على دعم قواته وتأمين الحدود ومتابعة (تحرشات) الجيش الشعبي ويترك شأن التفاوض لآخرين.. كيف يستوعب الجندي السوداني في مناطق الحدود الملتهبة وجود قائده في قاعات التفاوض بينما العدو لا يأبه بذلك التفاوض ويستمر في اعتداءاته دون رادع.. أعتقد أن مراجعة إستراتيجية التفاوض والحرب أمرٌ مُلحٌ.. النهج الحالي في التعامل مع جوبا لا أقول إنه غير فعال بل فاشل يظهر الخرطوم بمظهر الضعف بينما الجيش السوداني الذي يفوق نظيره الجنوبي عدة وعتاد وخبرة ممتدة ويصنف بأنه الجيش الثالث في إفريقيا. نشير إلى أن الرئيس الإثيوبي ملس زيناوي يسعى حثيثاً لجمع الرئيسين عمر البشير وسلفا كير في لقاء قمة، وقال قيادي بحزب المؤتمر الوطني إن حزبه رحّب.. الترحيب جاء حسب اعتقادنا بقصد عدم إغضاب زيناوي، فللرجل خاطر عند الحكومة السودانية.. لكن لا فائدة من الثقة في الرئيس سلفا كير بحسب مراقبين فهو في اعتقادهم لا يملك قراره وما أدلّ على ذلك عندما فاجأ الجميع وتراجع عن التوقيع على اتفاق بحضور البشير وحشد من الرؤساء الأفارقة على هامش آخر قمة إفريقية في أديس.. ما فعله سلفا جعل الجميع فاغرا فاه، دهشةً واستغراباً لأن الرجل على علم بالاتفاق ووافق عليه ولم تبق إلا الجوانب المراسمية. المصدر: الشرق القطرية 7/7/2012م