يشير العديد من المراقبين الذين يتناولون الشأن التفاوضي بين جوبا والخرطوم الى القيد الزمني المضروب كسقف زمني لعملية التفاوض والذى ينقضي عملياً فى الثاني من أغسطس المقبل – أىّ بعد أقل من شهر من الآن – بإعتبار أنه يشكل ضغطاً مثيراً للقلق ربما يفضي الى فرض حلول من قِبل مجلس الأمن أو عقوبات على هذا الطرف أو ذاك. هل يمكن القول ان هذه الفرضية صحيحة بحيث يقف مجلس الأمن منتظراً نتائج المفاوضات، فإن توصل الطرفان الى حل كان بها؛ وإن لم يتوصلا يتدخل المجلس ويفرض حلوله؟ الواقع ان الأمر ليس بهذه البساطة ولا نقول السطحية، ولكنه فى ذات الوقت أقل من أن يثير القلق. سفير السودان فى أديس أبابا الفريق أول عبد الرحمن سر الختم قال لصحيفة الأهرام اليوم ضمن حوار أجرته معه فى هذا الصدد إن قضية السقف الزمني لا يمكن النظر اليها كما يحدث فى مباريات كرة القدم (يطلق الحكم صافرة النهاية فتنتهي المباراة) . ويضيف سر الختم، إن هنالك ثلاثة فرضيات فى هذا المنحي فإما أن تحسم المفاوضات القضايا الخلافية قبل إنقضاء الموعد وبهذا يكون الأمر قد إنتهي، وإما أن يصل التفاوض الى طريق مسدود ويُرفع الأمر الى مجلس الأمن أو أن تكون هنالك مؤشرات إيجابية مشجعة تسمح بإستكمال التفاوض خارج القيد الزمني الموضوع، وفى هذه الحالة لا يتأثر الأمر بالسقف الزمني. ويرجح السفير سر الختم الفرضية الاخيرة. ولكننا وصلاً لذلك نستبعد الفرضين، الاول والثالث المتعلِّقان بحسم الخلافات، أو بداية ظهور مؤشرات قد تقود الى الحل، وندلف الى الفرض الأوسط، وهو فى حالة عدم توصُّل الطرفين الى حلول. نضع هذا الفرض لأنه الأسوأ على الاطلاق وربما كان هو الفرض الذى قصد القرار 2046 التصدي له ؛ فهل بالفعل يمكن القول أنه وفى حالة عدم توصل الاطراف الى اتفاق بشأن القضايا موضوع الخلاف بحلول الثاني من أغسطس سوف يرسم مجلس الأمن سيناريو آخر من عنده؟ للإجابة على هذا السؤال لابُد فى البدء من مراجعة القرار 2046 إذ أنه وعلي فرض أن القرار الذى صدر فى الثاني من مايو الماضي قد أقرَّ ثلاثة أشهُر كمدة زمنية كافية للتوصل الى حل، فإن أهمَّ سؤال يتبادر على الفور الى الذهن هو، هل قصد القرار أن يلتزم الطرفين بالتوقيات بدقة تامة؟ فقد رأينا إن أىِّ توقيت أُشير اليه فى القرار لم يلقَ الإلتزم الحرفي من الطرفين، فقد أقرَّ القرار وقف العدائيات خلال 48 ساعة وهذا ما لم يحدث، ولم يُوجَه اللوم الى طرف من الطرفين أو كليهما جرّاء هذه المخالفة الصريحة. كما نصَّ القرار على أجندة محددة بترتيب محدد ولكن لم يتم الإلتزام بها. حتى الوساطة لم تلتزم بها حين وجدت إن الأفضل البداية بموضوع الأمن قبل النفط. هذين المثالين كافيين لإثبات أن القرار لم ينص على ما نص عليه وهو ينتظر إلتزاماً كاملاً به، ومن ثم فإن هذا يهدم فى الواقع مبدأ حرفية التوقيتات ؛ فالتفاوض نفسه لم يبدأ فى التوقيت الذى حدَّده القرار وهو الثاني من مايو ساعة صدور القرار لأنّ القرار قال إن التفاوض ينبغي أن يجري فوراً! إذن لا مجال للقول إن مقصد القرار كان قد إنصرف الى إلزام الأطراف بالتوقيت المنصوص عليه حرفياً. من جانب ثاني فإن التقارير الدورية التي يرفعها الوسطاء ويرفعها الأمين العام للأمم المتحدة الى مجلس الأمن تتضمن بالضرورة الصعوبات والعقبات التى ظلت تعترِض العملية التفاوضية ومن بينها مصاعب خارجة عن إرادة الطرفين، ففي إحدي المرّات تم رفع الجولة لأسباب قِيل أنها تتصل بظروف خاصة بالوسطاء. من جانب ثالث فإن القضايا المطروحة من التعقيد بحيث يحتاج حلّها لأكثر من المدة التى قررها القرار، وهو أمر بديهي، ولهذا فإن الاعتقاد الراجح ان القرار قصد حث الأطراف على التحلي بالجدية الكافية لدفع عجلة التفاوض وللإهتمام بالأمر أكثر، وكلنا يعلم ان الطرفين متضررَين من عدم حل هذه القضايا، ولهذا فإن سعيهما للحل لا يحتاج لقيد زمني. وأخيراً فإن إمكانية فرض حلول عند حلول الموعد فى قضايا حساسة وشائكة كهذه تبدو فى حكم المستحيل، كما أن فرض عقوبات إن لم تزيد من تعقيد الأمور فهي لن تحل المشكلة.