دخلت مفاوضات اديس ابابا يومها الثالث بين السودان وحكومة جنوب السودان لإنهاء ملف القضايا العالقة والتوصل الى صيغة ترضى الطرفين، وإسدال الستار على آخر استحقاقات اتفاقية السلام الشامل، وحملت الأخبار بشريات بتوصل الطرفين الى تفاهمات خاصة فى ملف النفط بإعتباره اكثر القضايا الحاحاً لإرتباطه بالوضع الإقتصادى الراهن فى الشمال والجنوب، ولكن سريعاً ما كشفت التصريحات المضادة من قبل حكومة السودان ان الخلاف مازال قائماً وانه لم يتم التوصل الى تسوية مرضية بخصوص ايجار خطوط البترول. وكان ان أعلنت حكومة جنوب السودان على لسان وزير السلام باقان اموم عقب عودته من اديس ابابا الى جوبا أن بلاده اتفقت مع السودان على اختتام المحادثات حول القضايا الرئيسة المتعلقة بالنفط والعملة والحدود بنهاية سبتمبر، وقال باقان أموم فى تصريحات صحفية في عاصمة الدولة الوليدة جوبا «اتفقنا على أنه بحلول الثلاثين من سبتمبر سنتوصل إلى اتفاق نهائي يمثل أساس العلاقات الاقتصادية بين البلدين»، واوضح أن الاتفاق يشمل القطاع النفطي ومسألة العملة، واكد الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم، إن الخرطوم سحبت طلباً سابقاً للحصول على «32.8» دولارا للبرميل الواحد مقابل حق استخدام خط الأنابيب، أي نحو «20» بالمئة من قيمة النفط المصدر، وقال أموم إن الجانبين اتفقا خلال محادثات اديس ابابا على أن تدفع حكومة جنوب السودان رسماً يتفق مع المعايير العالمية، بيد انه لم يذكر تفاصيل، وقال «سندفع رسوماً لاستخدام خط الأنابيب وسندفع أيضاً رسوم عبور تتفق مع الممارسات والمعايير العالمية»، واكد ان المباحاثات أنهت وقطعت محاولة فرض رسوم إضافية واستثنائية من جانب حكومة الخرطوم على قيمة ايجار انابيب البترول. وفى اتجاه يعضد دفع عجلة مفاوضات اديس ابابا بين الطرفين اعلن باقان فى الوقت ذاته عن اتفاق لخارطة طريق لتجاوز القضايا العالقة خاصة «العلاقة الاقتصادية بين الدولتين ومصير ابيى وترسيم الحدود»، واكد اموم ان حكومة السودان تراجعت عن موقفها الاخير بشأن رسوم البترول وقال « قد تراجعوا رسميا عن ذلك الموقف، وانهم قد يتوصلا الى اتفاق خلال الشهرين القادمين حول الرسوم» واضاف ان الطرفين اتفقا على بحث استخدام الجنوب لخط انابيب الشمال وفق الاسس الدولية. وفى اتجاه آخر فى ملف القضايا العالقة كشف اموم عن اتفاق لتشكيل لجنة مشتركة لاجراء نقاشات حول العملة وابان ان وفد حكومة الجنوب وافق على سحب الجنية السودانى «القديم» وايداع المبالغ المسحوبة فى حساب مع التأكد على عدم تسريبها، واشار الى اهمية الخطوة لبناء الثقة، وقال لحساسية الموضوع فإن الطرفين اتفقا على ان تستأنف لجنة العملة عملها فى وقت آخر، وبلغة مرنة غير معهودة من باقان اموم والذى عرف بتصريحاته الحاده والعدائية فى كثير من المواقف بين الطرفين جدد اموم التأكيد على ان حكومة الجنوب على استعداد لمساعدة السودان لإمتصاص «الصدمة الاقتصادية» التى قد يتعرض لها الشمال، وقال نحن على استعداد لمساعدة حكومة وشعب السودان كجيران «نحن توأمان» واضاف حريصون على اقامة علاقات طيبة ولخلق مناخ جيد للتعايش السلمي بين الدولتين. الا ان تصريحات باقان اموم ذهبت ادراج الرياح واصبحت بمثابة اتفاق من طرف واحد بعد نفى رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطنى بابكر محمد توم فى تصريح ل «لصحافة» تنازل حكومة السودان عن المبلغ الذى عرضته سابقاً على حكومة الجنوب مقابل ايجار انابيب نقل النفط واستخدام وحدات معالجته ومنصات الصادر والذى حددته بمبلغ «2,6» مليار جنيه، قال محمد توم ان حكومته بنت موازنتها على ذلك الرقم ولا يمكن التراجع او التنازل عنه، ووصف حديث باقان اموم بالمناورات السياسية وان الغرض منه على حسب قوله إيهام الرأى العام ان حكومة السودان قدمت تنازلات، واوضح محمد توم انه ربما كان التغيير فى تفاصيل منح القيمة نقدا او عينا او التغيير فى قيمة محورها زيادة او نقصان دون التأثير على القيمة الكلية التى أعتمد فى تحديدها على المعايير الدولية والاستشهاد بسوابق الدول المشابهة وتوقع التوصل لاتفاق طويل الأمد. وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل السياسي الحاج حمد انه من الخطأ الفادح محاولة سد عجز الموازنة المفقودة بسبب الانفصال وذهاب بترول الجنوب برسوم العبور، وقال ان حكومة الشمال حولت المعادلة بصورة بسيطة لتكلفة البرميل والنقل والمناولة لتحتفظ بنفس الرقم السابق قبل الانفصال، وارجع حمد ان الأزمة بين الطرفين تكمن فى انعدام الثقة بينهما ومحاولة كل طرف كسب ارضية للتفاوض ما يعقد المباحثات فى اديس ابابا التى من المفترض ان تنتهى الى تسوية للقضايا العلاقة بين البلدين، وشدد حمد على ضرورة إشراك الخبراء من الجانبين فى المفاوضات خاصة فى البترول وعدم ترك الباب وحده للسياسيين فى القضايا الاقتصادية، ونوه حمد الى ان حكومة الجنوب تعتمد فى ملف البترول على مؤسسات اقتصادية دولية فى الوقت الذى تدير فيه حكومة الشمال الملف عبر السياسيين، وفى اتجاه آخر فى القضايا العالقة توقع الحاج حمد بتأثير الضغوط الدولية خاصة الأمريكية بعد لحاق المبعوث الأمريكى الخاص للسودان برينستون ليمان بالوفدين على مجريات مفاوضات اديس ابابا اسوة بما حدث فى الإتفاق الإطارى الذى وقع بين حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال، وتوقع حمد تقديم الخرطوم مزيداً من التنازلات طمعاً فى إرضاء الولاياتالمتحدة مقابل رفع اسمها من الدول الراعية للإرهاب. وفى حديثه ل «الصحافة» قال المحلل الاقتصادى الدكتور محمد الناير ان حكومة الخرطوم من الطبيعى ان تفرض رسوما مقابل نقل بترول الجنوب وقال ان «20%» من قيمة ايجار الخطوط معقولة بالإضافة الى رسوم الموانئ وفق النماذج العالمية، واوضح الناير ان عدم الاتفاق يضر بالدولتين خاصة دولة الجنوب التى تعتمد على النفط بنسبة 98% من مواردها. وقال الناير ان الملفات الاقتصادية يجب ان تناقش بمعزل عن القضايا السياسية لانها لا تتحمل التأخير، وذلك لان البترول من القضايا الحساسة وتؤثر على اقتصاد البلدين ويجب التوافق حولها لمصلحة الشعبين.