قال د. صابر محمد حسن رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني ومحافظ بنك السودان المركزي السابق إن قطر والسودان مؤهلان بما يمتلكان من مقدرات لتحقيق التكامل العربي الغذائي المنشود وأنه من الممكن بناء تكامل استراتيجي لا مثيل له, يمثل صمام أمان غذائيا للمنطقة العربية. وأعرب عن أمله فى الشراكة الاقتصادية القطرية السودانية لتكون نواة لجذب شركاء آخرين من الوطن العربي للاستثمار في السودان، واصفا العلاقات بأنها متميزة , مشيرا إلى أن الفترة القادمة ستشهد مزيدا من تدفق الاستثمارات القطرية في السودان بمختلف المجالات ، واصفا العلاقات القطرية السودانية بانها من أميز العلاقات التي تنشأ بين دولتين في المحيط العالمي ناهيك عن المحيط العربي، لأن الدولتين تمتلكان مقدرات مهولة ..السودان بموارده الطبيعية الضخمة وقطر بموارده المالية الثرية، وبهما معا يمكن أن يكون هناك تكامل مميز. وقطع في حواره مع الراية الاقتصادية د. صابر محمد حسن رئيس القطاع الإقتصادي بالمؤتمر الوطني ومحافظ بنك السودان المركزي السابق, بأن الإجراءات التقشفية الاخيرة التي اتخذتها الحكومة هدفت إلى وقف التدهور الإقتصادي, مبينا أن اللجوء إلى رفع الدعم عن المحروقات يمثل حلاً ضرورياً وموضوعياً كان سيتم اعتماده عاجلاً أو آجلاً إذ أن دعم السلع يعني الاستمرار في تنفيذ سياسة خاطئة يضر بالاقتصاد ولا ينفعه موضحاً ان هذا الخطأ ضار بالإقتصاد ويكلف المواطن فوق ما يطيقه مستقبلاً. ورأى أن حزمة الإجراءات الأخيرة تحتاج إلى جدية والتزام كامل من قبل الحكومة ما يجعلها مفيدة وذات تأثير إيجابي على الاقتصاد السوداني في المستقبلين القريب والبعيد، مشيرا إلى أن تحسين أحوال معيشة المواطنين سيحدث تدريجياً وأن الأشهر الأولى سيعاني فيها الجميع من الزيادات في الأسعار .. وإلى تفاصيل الحوار:- كيف ترى العلاقات القطرية السودانية ؟ هى علاقات متميزة ونامية وخاصة في المجال الاقتصادي لأن هناك استثمارات قطرية عديدة في مجالات متعددة وهناك مجهودات مستمرة لزيادة هذه الاستثمارات إضافة إلى استثمارات القطاع الخاص القطري المتمثلة في شركات القطاع الخاص بالإضافة إلى الحكومية. مشيرا إلى المستوى المتطور للعلاقات بين المؤسسات المالية في البلدين سواء من البنكين المركزيين أو وزارتي المالية في البلدين. ويعتبر هذا مؤشراً إلى أن العلاقات السودانية القطرية في المجالات الاستثمارية والمالية والاقتصادية من ناحية عامة تعتبر علاقات متميزة ومثالا للعلاقات الجيدة بين الدول المختلفة. ماهي المجالات التي تستثمر فيها قطر؟ الاستثمارات القطرية عقارية وزراعية وصناعية وهذا النوع من العلاقات يمكن أن ينتج تكاملا بين مقدرات الموارد الطبيعية السودانية والموارد المالية القطرية وهو نوع من التكامل العربي ويمكن أن يركز على مشاريع استراتيجية لخدمة الامة العربية ولخدمة الدولتين في المقام الاول وبصفة خاصة في مجال الامن الغذائي. وأوصى الاستثمار المشترك السوداني القطري بالمضي فيها لأن الوطن العربي خاصة منطقة الخليج والسعودية تستوردان الغذاء بمبالغ كبيرة وإذا استثمرت بعض هذه الاموال الضخمة المخصصة لشراء الغذاء في السودان يمكن ان تلبي الطلب العربي للغذاء وتكون بالتالي معتمدة على نفسها وتمتلك نوعا من الاستقلالية. واضاف إننا نأمل أن يكون هذا التوجه الاستراتيجي القطري السوداني نواة لجذب شركاء آخرين من الوطن العربي. ما هو مستقبل العلاقات القطرية السودانية؟ اعتقد أن هذا التوجه إذا سار ونفذ فهذا يعني ان المستقبل سيكون مبشرا وبإمكانه أن يعطي مثالا للدول الأخرى لأن تكامل الموارد الذي يشكل اساسا للشراكة الاستراتيجية أو الذكية والتي تحقق نجاحا ومصلحة للطرفين ولهذا أنا متفائل من مستقبل هذه العلاقات الاستثمارية السودانية القطرية، وندعو إلى تركيز هذه المشاريع إلى مشاريع استراتيجية مهمة مثل إنتاج الغذاء وتطوير المقدرة الإنتاجية. ما هو دور الاقتصاد القطري في المنطقة وتأثيره؟ تعتبر قطر من الناحية المالية من دول الفوائض لأن هناك دولا أخرى تعاني من العجز المالي ومثل هذه الدول يمكنها أن تلعب دورا كبيرا ومؤثرا إذا وظفت فوائضها استراتيجيا. واستثمار الفوائض السائلة فى أوراق مالية على المدى الطويل غير مفيد لأن ضرره أكبر من نفعه وخير مثال لذلك ما حدث في الأزمة المالية العالمية الاخيرة. ولكن إذا وظفت ووجهت هذه الفوائض في استثمارات حقيقية غير مالية سيكون مفيداً جدا ذلك لأن الاستثمار المالي يتبخر ويختفي أما الاستثمار الحقيقى (زراعة صناعة خدمات) يبقى ولايختفي أبدا وصحيح أن أرباح الأوراق المالية سريعة وإجراءاتها أسرع إلا أنها خطرة جدا عكس الاستثمار الحقيقي الذي يأخذ زمنا أطول وإجراءات بطيئة إلا أنه مضمون الأرباح التي تبقى ولاتختفي ويضمن وجود رأسماله ... وقال إننى أرى أن قطر دولة فوائض وإذا ما أعادت توجيه استثماراتها في الاستثمار الحقيقى الذي يقوم عليه تكامل الاقتصاديات في الوطن العربي فستعظم فوائضها أكثر لها وللجميع. ما هي أسباب عدم استقرار الاقتصاد السوداني؟ الاقتصاد في العالم معرض لمخاطر ولفترات ازدهار وركود، والاقتصاد السوداني مر بفترات كهذه .. وبعد الاصلاح الاقتصادي الذي حدث في أواخر التسعينيات .. مر هذا الاقتصاد بعقد من الزمان فيه ازدهار نسبي حيث كان معدل النمو جيدا كما شهدت استقراراً اقتصادياً ومالياً ومعدلات تضخم منخفضة واستقرارا في سعر الصرف وتدفقا جيدا للاستثمارات الخارجية المباشرة .. وبعد ذلك تعرض الاقتصاد لبعض الصدمات منها التوسع الكبير في الانفاق الحكومي نتيجة لتطبيق النظام الفيدرالي ونتيجة لتنفيذ التزامات اتفاقية السلام ونتيجة لتنفيذ برامج التنمية الكبيرة وهذه كلها صدمات داخلية أما الصدمات الخارجية فتتمثل فيما أخذته اتفاقية السلام من 50% من عائدات البترول والأزمة المالية العالمية وبعد ذلك الانفصال والحروب التي نشأت في الحدود السودانية .. هذه الأسباب شكلت ضغوطات على الاقتصاد السوداني مما أدت إلى حدوث فجوة في الميزان الداخلي وفي الميزان الخارجي ونتيجة مباشرة من هذه الفجوات حدوث ضغط على المستوى العام للاسعار أدت إلى ارتفاع التضخم والأسعار وضغوط على سعر الصرف وكل هذا أدى إلى حدوث اختلالات أساسية . ماهي المحاولات والجهود المبذولة لإصلاح هذه الاختلالات؟ كان لابد من اتخاذ إجراءات إصلاحية .. جزء منه إسعافي الهدف منه إيقاف التدهور في الاقتصاد واستعادة الاستقرار له والجزء الاخر هيكلي الهدف منه معالجة الاختناقات الهيكلية في الاقتصاد باطلاق القدرات الكامنة في الانتاج .. ويسير الجزءان مع بعضهما البعض وفي زمن واحد، إلا أن زمن الجزء الإسعافي لايتجاوز العام والعامين على الأكثر ويعتمد على إجراءات تقشفية وهي دائما غير مرغوبة لأنها ذات اثار سالبة على المواطنين وهذا البرنامج الإسعافي يسعى إلى تضييق فجوة داخلية وخارجية وتخفيض الانفاق الحكومي وزيادة الايرادات خاصة وأن إزالة الدعومات من المحروقات غير مرحب بها وسط المواطنين إلا أنه لابد منه . كل هذه الاصلاحات بدأ تنفيذها ولكنها تحتاج إلى الاستمرار فيها وستظهر الاثار الايجابية تدريجيا ..في عام 1996 م طبقنا برنامجا اسعافيا ظهرت نتائجه بعد عامين .. اليوم اعتقد أنه بعد ثلاثة شهور يمكن للاثار الإيجابية من الظهور لأنها لاتظهر بين عشية وضحاها. وإنما تدريجيا أما الآثار الكلية الايجابية فستظهر بعد عام إلى عامين أما البرنامج الهيكلي فهو متوسط المدى (3) سنوات. ما هو الجزء الأصعب؟ الجزء الأصعب في البرنامج هو الجزء التقشفي وعبء كبير منه وقع على المواطن خاصة زيادة سعر المحروقات وسعر الصرف ولكن الدولة حاولت أن تتحمل جزءاً تمثل في تصغير حجم الدولة بإلغاء وظائف دستورية من مستشارين ووزراء ووزراء دولة في المركز والولايات وخبراء وأعضاء لجان مجالس تشريعية وألغيت وظائف نواب رؤساء المجالس وخفضت مخصصات مالية أو ألغيت على المستوى الاتحادي والولائي. ما هي مساهمة هذا التقليص في الموازنة العامة ؟ تقليص الدستورين بصفة خاصة من ناحية موارد لا أظنه يوفر الكثير ولا أستطيع تحديد الرقم ولكن المدلول السياسي له أهم من الشق المالي ويعني أن الحكومة طبقت على نفسها الاجراءات التقشفية وليس على المواطنين فقط مما يعكس قوة الإرادة السياسية وإصرار الحكومة على تنفيذها. اصحاب الدخل المحدود سيكتوون بنيران التقشف الحاد .. ما رأيك في ذلك؟ محدودو الدخل هم الذين يتحملون عبء هذه الاصلاحات والاجراءات التقشفية خاصة أصحاب الرواتب الشهرية لأن هذه الاجراءات ستؤدى إلى زيادة الأسعار وتخفيض الدخل مما سيؤثر عليهم .. ولكن إذا لاحظ الناس جيدا في الحزم الاخيرة ستجد أن هناك اتجاها لحماية الشرائح الضعيفة في المجتمع تشمل عدة أشياء وهي عبارة عن شبكة إذا وضعت كلها مع بعض سيظهر الأثر واضحا مثلا إذا أخذت زيادة الرواتب يمكن أن تكون حاجة صغيرة ولكن حينما تأخذ شبكة الحماية الاجتماعية كلها (الرواتب- الدعم للأسر الفقيرة- دعم الطلاب- المواصلات- الجمارك للسلع الاساسية- الترتيبات التي وضعت لصناديق الضمان الاجتماعي) الإجراءات الأخيرة عبارة عن جراحات في جسم الاقتصاد ومن الصعب جدا أن تعمل حماية كاملة للناس حتى لايتأثروا بهذه الجراحات وانما المطلوب هو التخفيف من هذه الاثار. العملة السودانية فقدت الكثير من قيمتها هل بالامكان تصحيح وضعها؟ التضخم وتدهور سعر الصرف وجهان لعملة واحدة والوجه الأول للعملة هو قيمة القوى الشرائية للعملة وكلما كان هناك عدم استقرار تدهور سعر الصرف وارتفعت الأسعار من جراء التضخم . والوجه الثاني يحدث تناقصا في قيمة العملة والقوى الشرائية، والتدهور الذي حدث للعملة هو الذي جعل الحكومة تتخذ هذه الاجراءات لتصحيح الوضع للعملة وقيمتها هل ستساهم هذه الاجراءات في وقف التدهور الاقتصادي؟ طبعا وهذا هو هدف رئيسى لهذه الاجراءات .. إيقاف التدهور في قيمة العملة هو عن طريق إيقاف الارتفاع في معدلات التضخم واعادة استقرار سعر الصرف مما سيجعل التدهور يتناقص ثم يتوقف وإذا نجحت الاجراءات بالتطبيق المستديم قد يستعيد الجنيه السوداني القيمة التي فقدها. ونرى ان قطاع التعدين عن الذهب واعد ويمكن أن يعوض الناس عن ما فقدوه من الإيرادات البترولية لكن خطورته تكمن في اعتماد الناس عليه واهمال القطاعات الأخرى.. ولابد من وجود توازن قطاعي في الاستثمارات بطريقة تؤدي إلى توسيع القاعدة الانتاجية وتنويع المنتجات حتى إذا نزلت الاسعار العالمية في سلعة معينة تكون هناك سلعة أخرى أسعارها مرتفعة وهذا من صميم أهداف برنامج الاصلاح المطبق الآن إذا نفذ... نحن نأمل أن نحقق فيه شيئا جيدا ونكون قد تعافينا من المرض ويكون اقتصادنا قد تحرر من الاعتماد على سلعة واحدة. الحديث حول الفساد؟ الحديث حول الفساد لايكون مدعوما بالادلة والارقام والمعلومات الصحيحة لكن هذا لايعني أن الفساد غير موجود.. والفساد نسبي ويوجد في أي دولة وإذا هناك إشارات واضحة لاستشراء الفساد فلابد من اتخاذ اجراءات ضده ..وأي معلومة عن فساد يجب التحقيق عنها من قبل الجهات المعنية ولابد من الإلتزام لمنع الفساد وعمل إجراءات لمنعه ومراجعة الضوابط والاسس التي تحكم المال العام وذلك لمنع حدوث الفساد. والحديث عن الفساد في وسائل الاعلام هو إحدى طرق معالجة هذا الفساد. المفاوضات مع دولة الجنوب والشراكات الممكنة لتعزيز المصالح المشتركة ؟ كان الافضل للدولتين طريق التعاون لانه لاغنى لكلا الدولتين عن بعضهما البعض وبين الدولتين فرص للتكامل لكن اعتقد ان طريقة المفاوض الجنوبي غير عملية وإذا تغيرت يمكن الوصول إلى اتفاق ورغم هذا إذا اجتمعت الدولتان وتعاونتا معا سيكسبان. مدى فرص نجاح الطرفين في التوصل إلى اتفاق؟ هذا يتوقف على استعداد الطرفين. المصدر:الراية القطرية 22/7/2012