طرحت جامعة الدول العربية في فبراير الماضي، مبادرة للمساهمة في معالجة الأوضاع الإنسانية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، الناتجة جراء الحرب وذلك بالتنسيق مع الحكومة السودانية والأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي. وهي ما بات يعرف بالمبادرة الثلاثية المشتركة، وترمي المبادرة لتخفيف التوتر وتسهيل انسياب المساعدات الإنسانية للمتضررين، وأوضحت الجامعة العربية حينها أن مبادرتها تقوم على عدد من المبادئ، أبرزها الاحترام الكامل لسيادة السودان، وتأمين إدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الصراع، وأكدت أن المبادرة تهدف إلى عدم ربط الاهتمام بالمسار الإنساني بالتقدم في المسار السياسي، والانتقال من مرحلة الإغاثة العاجلة إلى مرحلة التعافي المبكر والتنمية. وتضمنت المبادرة خطة عمل تحدد الإجراءات والسبل الكفيلة بتقدير حجم الاحتياجات الإنسانية وإدخالها إلى تلك الأماكن، وضمان تسليمها للمتضررين. ومنذ ذلك التاريخ ظلت المبادرة المشتركة مكان نقاش مستفيض بين الأطراف، وشملت المشاورات الحركة الشعبية – قطاع الشمال التي تقود التمرد في الولايتين، كانت نتيجته الموافقة على تطبيق المبادرة. وقد رحب الشركاء الثلاثة بموافقة الحكومة على المقترح وأكدوا التزامهم وشركائهم بالعمل في تنسيق تام مع حكومة السودان لتقديم المساعدات الإنسانية للمتأثرين بالأحداث في الولايتين. والآن بعد مرور نحو ستة أشهر على انطلاق تلك المبادرة يجتمع ممثلون عن أطرافها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا لبحث سبل تنفيذها. ومع أن الطرفين – الحكومة السودانية والحركة الشعبية، قطاع الشمال -، ظلا يؤكدان بصورة حاسمة رفضهما الجلوس معا لإجراء حوار سياسي بحثا عن تسوية سلمية للنزاع في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، المتأثرتين بتداعيات التمرد الذي تقوده قيادات الحركة الشعبية هناك، يبدو أنهما اضطرا ولدواع إنسانية للجلوس سويا، تحت مظلة المبادرة الثلاثية المشتركة التي طرحتها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وبرعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى، برئاسة ثامبو أمبيكي، الحكيم الجنوب أفريقي الذي يتولى منذ قترة غير قصيرة الوساطة بين شطري السودان - الشمال والجنوب – لحلحلة جملة من القضايا مثار الخلاف بينهما. وتكتسب اجتماعات أديس أبابا الخاصة بإنزال المبادرة الثلاثية الخاصة بإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في النيل الأزرق وجنوب كردفان أهمية خاصة لأنها تلتئم متزامنة مع فصل الخريف الذي يعرقل الطرق المؤدية إلى كثير من المناطق بالولايتين. كما تكتسب أهميتها من التحذير الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي من أن أي تأخير في الاتفاق حول إغاثة المحتاجين قد يؤدي إلى مزيد من المعاناة الإنسانية وفقدان للأرواح، على الرغم من تأكيدات الحكومة بأن الأوضاع تحت السيطرة، وذلك وفقا لتقرير حديث أصدرته مفوضية العون الإنساني في يوليو الحالي، وبحسب التقرير فقد تعهدت الحكومة بأنها ستواصل العمل في التنسيق والتعامل مع كل الشركاء في كل ما يلي الشأن الإنساني بالبلاد. وجددت – الحكومة - حرصها على استقرار الأوضاع الإنسانية بشكل خاص في جنوب كردفان والنيل الأزرق، كما كررت موافقتها على المبادرة الثلاثية التي تهدف لاستكمال الدور الحكومي في توفير المساعدات الإنسانية بالولايتين وفقا للاتفاق الذي تم مع الأطراف المعنية. وكشفت الحكومة وفقا ل"سونا"، أنها وبحسب المبادئ العامة الموجه للتعامل مع المبادرة الثلاثية المشتركة وضعت خطة عمل إطارية محددة لتنفيذ المبادرة مع الشركاء الثلاثة – الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية - مؤكدا أنها تقوم بدورها الأصيل في إدارة الشأن الإنساني انطلاقا من واجبها تجاه مواطنيها في تأمين كافة احتياجاتهم الإنسانية والخدمات الضرورية لاسيما في المناطق التي تشهد توترات أمنية. وفي السياق، أعرب الاتحاد الأفريقي، عن أمله في وصول الأطراف السودانية المختلفة لاتفاق حول توفير الإغاثة والدعم الإنساني للمحتاجين في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال في بيان أصدره أول أمس، "حذر مفوض الاتحاد الأفريقي، جان بينغ، من أن أي تأخير في الاتفاق حول إغاثة المحتاجين بجنوب كردفان والنيل الأزرق قد يؤدي إلى مزيد من معاناة إنسانية وفقدان للأرواح". وأكد مفوض الاتحاد الأفريقي استعداد الاتحاد الإفريقي لنشر فرق تقييم في جنوب كردفان والنيل الأزرق بما في ذلك بعض الشخصيات الإفريقية المرموقة للمساعدة في تحقيق هذا الهدف وأيضا أبدى الاتحاد استعداده لنشر مراقبين للتأكد من وصول الإغاثة والدعم للمحتاجين بطريقة شفافة وعادلة. وأشار البيان إلى أن ممثلين لحكومة السودان والحركات المتمردة اجتمعوا تحت رعاية اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثامبو أمبيكي لمناقشة سبل توفير وتقديم العون الإنساني والإغاثة للمتأثرين في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وقال جان بينغ "إن ذات الخطوة طال انتظارها وكان من المتوقع أن تتخذ منذ وقت سابق". ولفت البيان إلى أن المعاناة في المنطقتين بدأت منذ اندلاع القتال وما صحبه من معاناة إنسانية في جنوب كردفان في يونيو 2011م، عندما تمرد عبد العزيز الحلو وأعقبه صراع مشابه في النيل الأزرق بعد أشهر قليلة، بسبب تمرد مالك عقار. وناشد البيان الأطراف بالتأكد من وصول الدعم الإنساني لكافة الأطراف وان تتعاون مع الأممالمتحدة ومنظماتها وخاصة مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية "أوشا". وعلى الرغم من أن ما جرى في أديس أبابا، أول أمس، لا يعتبر بحال شكل من أشكال التفاوض السياسي بين الحكومة والحركة الشعبية، لكنه يعد درجة من درجات النظر المشترك لمعالجة الجوانب الإنسانية بالمنطقتين، على أثر الاقتراح الذي رفعه كل من الاتحاد الإفريقي والأممالمتحدة وجامعة الدول العربية، في فبراير الماضي، للطرفين بشأن إيصال وتقديم الدعم الإنساني للمواطنين المتأثرين جراء الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهو المقترح الذي وجد القبول من كلا الطرفين. ويتوقع مراقبون أن تلك الدرجة سرعان ما سترتفع إلى مفاوضات "محضة" استنادا إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي دعا الطرفين لأجراء حوار فوري لإيجاد تسوية سياسية لمشكلة المنطقتين. وقد دفعت الوساطة الأفريقية فعليا بمقترح للطرفين – الحكومة والحركة الشعبية، قطاع الشمال - لفتح التفاوض المباشر بشأن ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، وإكمال بقية ما نص عليه اتفاقية "نيفاشا". لكن المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية العبيد مروح، استبعد في تصريحات التئام لقاءات أو اجتماعات بين الوفد الحكومي المفاوض وقيادات الحركة الشعبية قطاع الشمال. وقال إن الوساطة طلبت إطلاعها على الوضع الإنساني بالولايتين، موضحا أن مفوض العون الإنساني سيحيط الوساطة بالوضع، بجانب الجهود التي بذلتها الحكومة لإيصال المساعدات للمحتاجين. وكشف مروح عن مقترح تقدمت به الوساطة لطرفي التفاوض يفضي إلى تحديد 24 يوليو الجاري موعدا لبدء المفاوضات بشأن المنطقتين، ونوه إلى أن الوفد الحكومي انخرط في مشاورات لبحث كيفية التعامل مع المقترح، الذي يشمل تسمية كل طرف لوفد مفاوض للمنطقتين، أو لكل منطقة لوحدها. وبالفعل وصل مفوض العون الإنساني سليمان عبد الرحمن إلى العاصمة الإثيوبية لمقابلة الوساطة، وإطلاعها على مستجدات الوضع الإنساني بالولايتين، والدفع بتقرير عن الوضع الإنساني بالمناطق التي تسيطر عليها الحكومة. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 25/7/2012م