إذا ما أخفقت جهود الإتحاد الافريقي فى إحتواء تعثُّر المفاوضات الجنوبية السودانية والحيلولة دون إنهيارها، فإن المشكلة لن تكون – كما يتصور البعض – حزمة إجراءات دولية وعقابية يتم إنزالها فى مواجهة هذا الطرف أو ذاك؛ ليست هذه هي المشكلة على الإطلاق لأنّ من المعروف فى هذه الحالة ان أقصي عقاب يمكن أن يطال الطرفين أحدهما أو كلاهما هو ما نصّت عليه المادة 14 من ميثاق المنظمة الدولية، وهو ذات ما تضمنه القرار 2046. ومن المعروف أن المادة 14 تتحدث فقط عن عقوبات إقتصادية وليس أىِّ عقوبات أخري. وبالطبع لا يمكن القول إن العقوبات الاقتصادية ستكون ذات جدوي أو أثر فى ظل ما يعاني منه البلدين من أزمات ومشاكل اقتصادية يبذل كل واحد منهما - بجهده الخاص - ما فى وسعه لتجاوزها. كما لا يمكن القول ان هذه العقوبات هى فى حدِّ ذاتها غاية لمجلس الأمن مهما كانت حِدة خصومة بعض أعضائه أو عدائهم السافر للسودان، لأنّ العقوبات -أية عقوبات- يُقصد بها الإصلاح وتقويم المسار ومن المستحيل القول هنا إن عقاباً اقتصادياً بهذا الصدد يدفع السودان – بعد كل ما رآه وعاناه طوال سنوات – لتقديم تنازلات جوهرية تضر بموقفه التفاوضيّ ومستقبله السياسي. إذن ما المشكلة؟ المشكلة ستتمثل فى أمر آخر مختلف تماماً وهو إزدياد تعقيد الخلاف بين الجانبين إذ من غير المُختلف عليه أن القضايا الخلافية هى التى يُراد لها أن تُحل وأن يصل الطرفان بشأنها الى تسوية، وهى تتضمّن حدود ومناطق متنازع عليها مثل أبيي ثم قضايا أمنية زائداً ملف النفط. ففي حالة انفجار الأوضاع وعدم التوصل الى حل ولجوء مجلس الأمن الى العقوبات فإن التعقيد سيزداد لأنّ كل طرف سيعمل على طرد الطرف الآخر من المناطق المتنازع عليها ؛ كما أن ملف النفط سيظل معلقاً يراوح مكانه بما يزيد من إشكال الدولتين الاقتصادي ويفسح المجال لمزيد من الضغط الواقع عليهما بشدة، الأمر الذى يفاقم الوضع ويجعل الدولتين قابلتين للإشتعال فى أية لحظة. تلك فى الواقع هى المشكلة التى كان يتعيّن على مجلس الأمن أن يمعن النظر اليها قبل أن يستمع الى أمينه العام بان كي مون، فالأزمة أكبر من مجرد توصل البلدان الى تسوية بشأن قضاياهما الخلافية وهو ما تعرفه كل الأطراف القريبة من الخلاف ولكنها تخفيه وتداريه بعناية. والغريب أن مندوبة الولاياتالمتحدة فى نيويورك (سوزان رايس) لم تُخفِ إنحيازها الأعمي لدولة الجنوب والتى كالت لها إمتداحاً لا مذاق له وتحاملت فى ذات الوقت وحملت بشدة على الجانب السوداني متَّهمة إياه بعدم الجدية! إن رايس بالطبع لا تنظر لأبعد من ما هو واضح فى الصورة، ولكنها لو نظرت أعمق وبصورة أكثر جدية لأدركت أن ظروف الدولتين – السودان وجنوب السودان – لا تسمح لهما بالإفراط فى المناورة والخداع واللّف والدوران والتفريط فى الاقتصاد! ومما لا شك فيه أن مورد البترول فى خاتمة المطاف سيقع فى يد الولاياتالمتحدة المتعطشة له، والتى تبذل كل هذا الجهد لكي تحظي بها لوحدها!