قال حزب المؤتمر الوطني الحاكم فى السودان إنه تمكن من إقناع الآلية الافريقية الرفيعة بعدم مشروعية التفاوض مع قطاع الشمال. وقال نائب مسئول الاعلام بالحزب ياسر يوسف للصُحفيين – الأحد الماضي – إن حزبه سيعمل على إنفاذ برتوكوليّ المنطقتين – جنوب كردفان والنيل ازرق – بعيداً وبمعزل عن قطاع الشمال بإعتبار ان البرتوكولين يخصّان أهل المنطقتين وليس قطاع الشمال . وأشار يوسف إلي أن الآلية الافريقية وصلت الى قناعة بأن القطاع هو جزء من الحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان. وما من شك أن هذا التطور له أبعاده السياسية والاستراتيجية المهمة، خاصة وأن الولاياتالمتحدة وبإعتبارها الطرف الذى عمل على إقحام بند التفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال فى القرار 2046 لزمت الصمت حيال هذا الموقف وربما بدا لواشنطن بعد إتساع فتق المفاوضات وكثرة العقبات أنَّ من شأن ما أقحمته أن يحيل القضايا الخلافية العالقة بين الدولتين الى مسخ مشوّه يهدد بجدية إمكانية التوصل الى حلول نهائية مستدامة لا فى الحاضر ولا المستقبل. وتقول مصادر دبلوماسية مطلعة فى نيويورك إن واشنطن - وبعد فوات الأوان - بدا لها أن قضية قطاع الشمال لا تعدو كونها مجرد (نزوة جنوبية عابرة) أرادت بها جوبا أن تعرقل عملية التفاوض ظناً منها أن ذلك يمنحها وقت لتوريط الخرطوم فى مواجهة مع مجلس الأمن، وهو ما يروق لجوبا بشدة، غير أن واشنطن سرعان ما أدركت خطأ الأمر ونتائجه المقلقة، فالقطاع فى خاتمة المطاف لا يعدو كونه (ذراعاً) للحركة الشعبية الحاكمة فى دولة جنوب السودان وهى حمولة زائدة بالغة الثقل يصعب تمريرها فى الوقت الراهن على ذات المركب الذى تمخر به حكومة الجنوب عباب نزاعها مع السودان. أما من الناحية العملية فإن القطاع فى الواقع لا يمثل شيئاً ذا بال على الأرض. صحيح أن هنالك الفرقتان 9 و10 التابعتان للجيش الشعبي فى جنوب كردفان والنيل الأزرق، وصحيح أيضاً ان هاتين الفرقتين تشكلان هجساً أمنياً شديد الإقلاق للأمن القومي السوداني، ولكن كل ذلك لا يبرر إفتراض أن هاتين الفرقتين هى قطاع الشمال ومن ثم هى جسم سوداني داخلي لا بد من التفاوض معه لأنّ المنطق فى هذا الصدد يقول أنه إذا كان القطاع جسم سوداني داخلي يخص السودان، فما شأن جوبا به؟ وما الذى يجعل دولة مجاورة تهتمّ كل هذا الإهتمام الغير عادي بمكوِّن سياسي سوداني داخلي؟ على صعيد ذي صلة فإن تصاعُد الرفض السوداني الداخلي سواء على صعيد البرلمان أو على صعيد النبض الشعبي العام للتفاوض هو أفضل مؤشر سياسي واضح للغاية ان العملية لا جدوي سياسية من وراءها، وهى لا تعدو كونها (خدعة) أرادت واشنطن أن ترضي بها جوبا تكتيكياً بغرض مقايضة هذا البند التفاوضي ببنود أخري تمثل أهمية إستراتيجية لجوبا. والغريب أن جوبا نفسها تبدو زاهدة فى هذا الصدد وليست لها رؤية استراتيجية جديرة بالتقدير إزاء القطاع إلاّ بقدر ما قد يحقق لها -كورقة سياسة- مصالحاً خاصة. فهل يا تُري ستضطر الآلية الافريقية -بجرأة لا تعوزها- على إخراج عملية التفاوض مع قطاع الشمال من مسيرة العملية التفاوضية برمّتها، وهل تغضّ واشنطن النظر عن ذلك؟ الأمر ما يزال فى بداياته ويحتاج لبعض الوقت.