صمتٌ مطبق يلف الآن أروقة مجلس الأمن الدولي بشأن النزاع السوداني الجنوبي؛ على الرغم من الخروقات المستمرة للحكومة الجنوبية لبنود قرار مجلس الأمن الأخير بالرقم 2046 القاضي بوقف العدائيات. ولعل هذا الموقف الدولي السالب – أيّاً كانت دوافعه – هو العنصر الأكثر تأثيراً على سير المفاوضات ومآلاتها ونتائجها، إذ لا يتصور عقلاً ومنطقاً أن يحدث إختراق فى أجندة التفاوض، ويتم احراز تقدم على هذا الصعيد فى ظل استمرار الخروقات والعدائيات الجنوبية. ما كان الأمر يحتاج حتى لشكوي من السودان، إذ أنَّ جبهات القتال من الوضوح بحيث ما كانت تحتاج لمن يشير بما يجري فيها. المشكلة هنا أن الولاياتالمتحدة رغم ما تقوم به ظاهراً من سعي لحل النزاع بين الجانبين، إلا أنها تلعب فى الواقع دوراً يكاد يكون رئيسياً فى تأزيم وتعقيد الوضع، فقد تجاوز الأمر ما كان يعتقده البعض من أنها مجرد ضغوط تمارسها واشنطن ضد الخرطوم للإسراع فى حل النزاع، ولعل أغرب ما فى الامر هنا، أن واشنطن رغم اقترابها الشديد من جوبا، إلا أنها لم تقدم نصحاً سياسياً لها، يدفع بالأمور بإتجاه الحل المطلوب. كل الذى تقوم به جوبا الآن -بدعم من واشنطن- يشير الى سعي محموم لتعقيد وعرقلة المفاوضات حتى لو بدأت تسير، ولهذا فإن من المهم وقبل أن تمضي وتيرة التفاوض الى الأمام أن يتم حسم قضية الخارطة الجنوبية المستحدثة والتى تضم منطقة هجليج وبعض المناطق الأخري على الرغم من أنها ليست مناطقاً متنازعاً عليها. كما أن من المهم – وبعيداً جداً عن أجندة التفاوض –أن يتم نزع (الشوكة) إذا جاز التعبير التى تركتها الحكومة الجنوبية فى خاصرة السودان فى جنوب كردفان والمتمثلة فى الفرقتين 9 و10 التابعتان للجيش الشعبي الجنوبي. لقد تلاعبت واشنطن ما شاء لها التلاعب بهذه النقطة فى بنود قرار مجلس الأمن 2046 بحيث قرنتها بقضية التفاوض مع قطاع الشمال، وهو أمر خاطئ بكل المقاييس، لأنّ هاتين الفرقتين – قانوناً – تتبعان للجيش الشعبي ومن الضروري سحبهما فى سياق بنود الترتيبات الأمنية الواردة فى صلب اتفاقية نيفاشا 2005 دون أىِّ شروط، ومن ثم – عقب السحب – تتم عملية إعادة الدمج والتسريح. ومن المهم كذلك – لصالح عملية التفاوض – أن تكف جوبا- عملاً لا مجرد قول – عن قيادة الهجمات العسكرية المُثبَتة بعشرات الأدلة الموثقة على الأراضي السودانية، ولا يجدي هنا الإنكار أو التستُّر وراء مزاعم هجمات للجيش السوداني، إذ كلنا يعلم أنه لو كان صحيحاً أن الجيش السوداني يقود هجمات جوية كما يزعم على أراضي جنوبية لما توانت رايس من تقديم مشروع قرار جديد لمعاقبة السودان أقسي عقاب. هذه المؤشرات تبدو ضرورية اذا كان المطلوب مفاوضات جادة وناجحة، أما بغير ذلك ورغم حسن نيّة الجانب السوداني، فإن المفاوضات ستظل تراوح مكانها وتزداد تعقيداً؛ إذ أن الخلل الأساسي والذى ترتب عليه خطراً ماحقاً أن واشنطن - فى قرارة نفسها - ليست جادة على الإطلاق بشأن العملية التفاوضية ولا تفعل سوي أنها تعقِّد الامور ببطء الى حين إقتناص السانحة المناسبة لتفعل ما تخطط له!