لم تكن العلة في أن يكذب رئيس دولة (ما تزال في طور اليرقة) علي رئيس دولة (طائرة) ومكتملة في كل شيء، فالفارق الشاسع بين الدولتين دولة جنوب السودان والولاياتالمتحدة ربما يكفي هو في حد ذاته لإدراك أن هنالك ما يحتاج ( لردم الهوّة) بين الدولتين والكذب ربما يكون (جزءاً) من خيار ردم الهوة هذا! ففي السياسة هنالك مقعد دائماً للكذب وفي العلاقات الدولية هنالك متسع لكل شيء بما في ذلك الكذب ولكن خطورة الكذب في مضمار العلاقات الدولية أن ينزع مصداقية الطرف الذي كذب الي الأبد ويصعب أن لم يستحيل عليه مرة أخري استعادة هذه المصداقية كما يستحيل عليه أن يتحاشي الكذب في مناسبة أخري. فالأمر هنا نتائجه المدمرة مزدوجة جزء منها يتعلق بخروج الكاذب من إطار الثقة، والجزء الآخر يتعلق بصعوبة خروج الكاذب نفسه من إطار نفسه وكذبه! وبالطبع ليس معني ذلك أن الكذب ليس بالعملة السياسية المتداولة دولياً ولكن كما قلنا ثمنه باهظ ونتائجه مدمرة. الأسبوع الماضي تداولت الصحف ووسائل الإعلام خبراً عن إعتذار مكتوب قيل إن الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت وجهه للرئيس الأمريكي باراك أوباما، فحوي الاعتذار أن الرئيس كير يقر ويعترف بكامل إرادته طبعاً بأنه سبق وان كذب علي الرئيس أوباما مرتين حين نفي دعم بلاده لحركات مسلحة تنشط ضد الحكومة السودانية في الخرطوم. الرئيس كير برر كذبه بتبرير هو نفسه (كاذب) قال فيه أن الغرفة التي يتحدث منها هاتفياً الي الرئيس أوباما كان بها مستشارين له ولم يشأ أن يقر أمامهم بما كان يتعين عليه أن يقر به لأوباما!! لربما كان عذر الرئيس كير علي عدم وجاهته أكثر مقبولية لو أنه اعترف بدون تبريرات زادت الطين كذباً هي الأخرى! ولكن ليس هذا ما يهمنا الذي يهمنا هنا هو محاولة قراءة مستقبل العلاقات بين وأشنطن وجوبا علي ضوء هذا التطور الكبير والذي يعتبره خبراء العلاقات الدولية تطوراً مؤثراً علي مستقبل علاقات الدولتين علي المديين القريب والبعيد حتي وان بدأ للبعض أنه تصرف عابر لن يؤثر علي مجمل مصالح الدولتين وعلاقاتهما. يبدو أن أكثر ما دفع واشنطن لفضح موقف الرئيس كير وكذبه أن هذه لم تكن المرة الأولي التي يكذب فيها الرئيس كير علي الرئيس أوباما. تقول مصادر دبلوماسية هاتفتها سفاري في واشنطن أن الإدارة الأمريكية أحصت حتي الآن ما يجاوز ال( 37) كذبة سياسية وقعت من جانب جوبا في قضايا وشئون بالغة الأهمية والحساسية بالنسبة لواشنطن حتى أن الرئيس أوباما في احدي مهاتفاته للرئيس سلفاكير بحسب ما سجلت ذلك مضابط البيت الأبيض اضطر ليذكر الرئيس سلفاكير بأنه يخاطب رئيس الولاياتالمتحدة وليس أي شخص آخر!. وكان وأضحاً أن الرئيس اوباما يواجه صدمة سياسية من إصرار الرئيس كير علي الكذب، وأزمة كذب الرئيس تشكل قلقاً للإدارة الأمريكية من جانبين، فهي من جانب أول تشكك واشنطن في جوبا وهو ما يجعل من تحالفهما عرضة للاهتزاز في أي لحظة إذ علي الرغم من أن ارتباط الطرفين جاء كضرورة لمعالجتها إلا أن من الصعب إستمرار التحالف في ظل غياب الثقة وإصرار كل طرف علي عدم مصارحة الطرف الآخر. وأشنطن بالنسبة لها الأمر أكثر إثارة للقلق لأنها لا تغامر في مصالحها لهذه الدرجة، وهي من جانب ثانٍ تجعل إمكانية دفاع واشنطن عن تصرفات جوبا أمراً صعباً ومكلفاً وقد تفاجأت واشنطن في السابق بقيام جوبا بوقف ضخ النفط دون أن تحترم جوبا تعهدات كانت قد قطعتها لحليفتها واشنطن سراً طبعاً بالا تتصرف بما يضر قضية النفط في مجملها. إذن هنالك أزمة متصاعدة بين الدولتين قائمة علي أساس غياب عنصر الثقة وعدم إحترام جوبا للعناصر الأساسية التي يقوم عليها تحالف الدولتين وكيفية تقدير وحساب مصالح كل طرف!!