لئن كان عمر الحرب التي خاضتها الحركة الشعبية وتكللت في النهاية باتفاقية السلام الشاملة الموقعة في نيفاشا 2005 والتي أفضت بدورها إلي قيام دولة جنوب السودان بلغت حوالي العقدين، فإن المقارنة ما بين طبيعة النزاع السوداني الجنوبي وطبيعة النزاع الذي إشتعل في دارفور تبرر طول الحرب علي الجبهة الجنوبية ولكنها أبداً لا تبرر ولا تجد أدني عذر لطول النزاع الناشب في دارفور، فالفارق الجوهري بين الاثنين يتصل بطبيعة الهوية الثقافية والخصوصية التي لا تخطؤها العين فيما يخص النزاع الجنوبي، بينما هذه الخصوصية منتفية تماماً علي صعيد النزاع الدارفورى. الحركات الدارفورية المسلحة في مجملها جاءت إستجابه لمحاكاة النموذج الجنوبي وانتهز بعضها السانحة لأغراض وأجندات أخري لا علاقة لها البتة بالشأن الوطني، فالأزمة في دارفور مع كل ما يُقال ويطرح لا تتجاوز الخلافات التنموية المعتادة التي لا يخلو منها إقليم من أقاليم السودان كلها. ففي أيّ إقليم سوداني بما في ذلك الوسط النيلي الذي يراه البعض علي ما يرام هناك ظلامات تنموية ليست بسبب سوء تخطيط المركز أو سوء نيته وإدارته بقدر ما هي أمر تاريخي حتمي لدولة ما تزال نامية وينتظرها الكثير لتحقق تنميه متوازنة مستدامة إذ أن عمر استقلال الدولة السودانية الذي لم يتجاوز نصف قرن من الزمان ليس كافياً إن أردنا الإنصاف لحلحلة كل قضايا الدولة لا سيما وأن السودان دولة شاسعة المساحة تكتنفها تعقيدات جغرافيه وتاريخية وإثنية. ولهذا فإن الحركات الدارفوريه المسلحة وإن تظاهر بعضها بأن لديه قضيه إلا أنها انجرّت للأسف الشديد وراء أمور أخري يكفي أنها باعدت بينها وبين أهل دارفور أصحاب المصلحة الحقيقيين. فحين يطرح البعض أطروحات علمانيه لا صلة لها بطبيعة ثقافة أهل دارفور مثلما تفعل حركة عبد الواحد وميناوي فإن الأمر يثير امتعاض عدد كبير من أهل الإقليم. وحين تدعو حركة مثل حركة العدل والمساواة إلي قضايا ذات منحي عنصري وفي ذات الوقت يكون قادتها ذوي أيديولوجيه إسلاميه ويُستشف من تمردهم أيضا في ذات الوقت إن قضيتهم الأساسيه أن يصبحوا حكاماً . وهو أمر واضح من مغامرات عديدة خاضوها ضد المركز كانوا يهدفون من ورائها للاستيلاء علي السلطة. ذلك أن من غير الطبيعي تماماً أن يسعي أبناء إقليم لأسباب تخصهم لتغيير سلطه حاكمه ليكونوا هم مكانها دوناً عن بقية أهل الأقاليم الاخري. وهو أمر من شأنه أن يخلخل البنيان السياسي والاجتماعي والثقافي علي نطاق الدوله بكاملها وهو بدوره يهدد أمن واستقرار وسلامة النواة السودانية بكاملها، وهو في النهاية أمر غير مألوف ويثير قلق كافة الأقاليم السودانية. إذن نحن أمام مجموعة حركات مسلحه مشدودة نحو السلطة أو مرتبطة بقوي خارجية بما يباعد تماماً بينها وبين مصالح أهل الإقليم. هذا الواقع كان له أثره البائن في خلخلة بنيان هذه الحركات نفسها، فهي ليست جادة ولا أطروحاتها جادة، وليست لهارؤى سياسية موحده، بل هي نفسها تتقاطع تجاه بعضها وتتشاكس وتصل إلي حد الاقتتال كما حدث مراراً فيما بينها أو بداخلها. لقد كان من المحتم إزاء هذا الواقع المرير والمؤسف أن تتآكل وتتراجع ويفعل الزمن فعلته عليها، لهذا بدأنا نري حركة ميناوي تتمزق وتتشتت في كمبالا وجوبا ودارفور، وحركة عبد الواحد تتصارع في جبل مرّة وحركة العدل والمساواة يقع بداخلها انشقاقا داوياً بعد إعفاء قائدها العام آدم بخيت (دبجو). هذه التطورات يمكن ننسبها لعامل الزمن وأحكام التاريخ؛ فقد تقادم العهد بهذه الحركات وهي تلف وتدور في حلقه مفرغه صنعتها بنفسها، ولا تستند علي قواعد شعبية ولا تعمل لصالح أهل دارفور ورفضت مراراً ولا تزال التفاوض والعملية السلمية فكيف لحركات بهذه المواصفات ألاّ تخضع لمشيئة التاريخ ويطالها سيف الزمن القاطع وتسقط بالتقادم؟