كما توقعنا تماماً فقد شرع مبارك الفاضل حال وصوله الى العاصمة الامريكيةواشنطن مستجيراً ومستنجداً فى عقد لقاءات وندوات ترك فيها لخياله العنان لكي يعطي صورة – يراها هو وحده – للأوضاع فى السودان ليخلص فى النهاية الى نتيجة قرب سقوط النظام! ولأنّ التاريخ وإن قيل أنه لا يعيد نفسه ولكنه لا يخلو من المتشابه، فإن مبارك -لمفارقات القدر وسخرياته- ظل يقول ذات هذا الكلام ويخلص الى ذات النتيجة منذ أن تولي منصب أمين عام التجمع فى مطلع التسعينات من القرن المنصرم. قال ذلك مراراً فى القاهرة، وفى واشنطن لما يجاوز ال11 مرّة، وفى لقاءات وندوات -إذا كان الرجل قد نسي- موثقة ومحفوظة بعناية فى سجلات وكالة المخابرات الأمريكية. الفرق الوحيد ربما بالنسبة للأمريكيين أنه هذه المرة لم يحدد منشأة بعينها فى الخرطوم يجري فيها تصنيع أسلحة كيمائية أو أسلحة دمار شامل! والفارق الوحيد بالنسبة لمبارك نفسه ان الرجل هذه المرة لا يمثل سوي نفسه، فهو حتى على مستوي حزبه الذى إقتطعه من حزب الأمة القومي بزعامة الصادق المهدي لم يعد زعيماً، مع أنه فى تسعينات القرن الماضي كان معه عدداً من الأحزاب والحركات المسلحة. الآن ليس لديه سوي الجلباب الذى أضطر – لدواعي المناخ السياسي، والبروتوكول لخلعه واستبداله بحلة زاهية من الملبس الأفرنجي المواكب لملبس الأمريكيين الأثرياء. أسهب مبارك وأفاض فى تِعداد الأسباب المُعجِّلة لسقوط الحكومة السودانية ولكن أحداً لم يسأله، ولا هو تبرع وأجاب عن البديل المقدَّر حال سقوط الحكومة ؛ كما لم يسأله أحد ولم يقل هو ما مصير عملية التفاوض الجارية حالياً بين الخرطوم وجوبا، وقد بانت طلائع نجاحها ويعوِّل علي نجاحها المجتمع الدولي كثيراً. هل ينتظر مبارك أن يتم حلحلة هذه القضايا ومن ثم فى اليوم التالي.. يتم الشروع فى عملية الاسقاط؟ ولماذا إذن – اذا كان السقوط آتٍ لا محالة – تُبذل الجهود فى هذه المفاوضات ويقوم مجلس الأمن ويقعد أملاً فى الوصول الى حل؟ لقد تظاهر مبارك الفاضل فى أحاديثه فى واشنطن أنه يعرف الكثير والمثير مما يجري فى دهاليز السلطة فى الخرطوم، وأوردَ قصص تحويل ملفات خاصة من مسئول الى آخر للتدليل على أن لديه علم من الكتاب! ولكن كان واضحاً ان شهادته مجرد شهادة سماعية، فالرجل لم ينسَ حتى الآن – وإن نسي أشياء كثيرة – الأيام الكالحة التي قضاها مساعداً للرئيس ولم ينجح رغم المدة الكافية التى قضاها فى القصر فى معرفة شيء أكثر مما قد يعرفه أىّ ساعي أو موظف فى درجة صغري هناك. كانت إحدي أهمّ جراح مبارك أنه ورغم كل قدراته الاستخبارية لم يحصل على (سر) يفيد به نفسه أو يستفيد منه فى إختراق الحكومة السودانية وهو أقصي ما كان يطمح اليه، فقد منّي نفسه حين شارك فى السلطة حينها (العام 2000) بإختراق غير مسبوق يحققه بذكائه الخاص، يهدم به أركان الحكومة السودانية ويفتح الباب واسعاً لدخول رفاقه لغزو نواة الحكومة والخلاص منها نهائياً. هذه الجراح لم تندمل بعد لدي مبارك، ولهذا أوجدت فى نفسه ما يشبه العقدة النفسية فى التظاهر بمعرفة ما يدور فى الدهاليز، وهو ما أوجد له مرتعاً هناك فى واشنطن، حيث الحديث المرسل، والممزوج بالخيال، فالجميع هناك يصغي ويستمع، اللهمَّ إلا عناصر المخابرات المركزية (السي آي أيه) الذين يستمعون له بطريقة مختلفة! إن السؤال الذى نرسله لمبارك – من على البُعد – هو بسيط للغاية، ولسنا فى عجلة من أمرنا، هو بإختصار - وماذا بعدُ يا رجل؟