دون أن ينفي عن نفسه التهمة التى وجّهها إليه إبن عمه الصادق المهدي بالعمل على شق حزب الأمة القومي لصالح دولة أجنبية، غادر مبارك الفاضل العاصمة الخرطوم ميمماً وجهه شطر العاصمة الامريكيةواشنطن، تحت زعم دعوة تلقاها من معهد السلام الأمريكي هناك، وبالطبع لن يكون بوسع مبارك أن يقول لأصدقائه الأمريكيين الكثير عن الاوضاع فى السودان، لأنّه على الأقل حصل على إذن بالسفر ولم يتعرّض من قبل السلطات السودانية لأيِّ إجراء أو مضايقة بما قد يضعه فى إمتحان سياسي ليس سهلاً. الحمل الثقيل الأبرز الذى حمله معه الرجل فى رحلته هذه، هو حمل التهمة التى وجهها له الصادق المهدي ولم يجد منطقاً سياسياً مقنعاً يرد به عليه وكان المثير للدهشة فى ردِّه أنه إكتفي بإتهام السيد الصادق بهدم الحزب وتخريبه! وكأني بمبارك يحاول الرد على طريقة (شرف لا ندّعيه وتهمة لا ننفيها)! وما من شك أن مبارك المهدي يعتبر ظاهرة فى المشهد السياسي السوداني نظراً لما للرجل من تحركات ومواقف تثير الريبة والشكوك؛ فمنذ عهد التجمع الوطني فى تسعينات القرن المنصرم ظل الرجل محل شك وقلق حتى من أقرب الأقربين اليه. وما تزال أصداء حادثة قصف مصنع الشفاء بضاحية الخرطوم بحري عشية السابع عشر من أغسطس 1998م تتردد كلما جاء ذكر الرجل ذو العمامة الماكرة! ولعل من المهم هنا أن نتوقف قليلاً – لأن الأمر فعلاً مدعاة للتوقف والتأمل – عند هذه الزيارة لواشنطن؛ فقد جاءت فى ظل خلاف أكثر عقماً بين مبارك والصادق المهدي، وصار من المحتم أن يدق بين الإثنين عطر منشم كما يقولون، لأنّ ما توفر للصادق المهدي من أدلة بحسب الأنباء أكد له أن إبن عمه ماضٍ قدماً فى عمل إستخباري خطير، وما كان للصادق ان يصرِّح علناً بتهمة بكل هذه الأبعاد الخطيرة لو أنه لم يلمس حقائقاً موضوعية فيما وصل اليه. ومن المؤكد أن السيد الصادق لا حاجة له فى الدخول فى مزايدات سياسية مع مبارك، للتفاوت فى المستوي بين الاثنين وللعثرات العديدة التى وقع فيها مبارك وجعلت الأوشاب تعلق بثيابه. ولهذا فإن الزيارة – بحسب توقيتها – تثير علامات استفهام بلا نهاية لكون مبارك ماضٍ فى (برنامجه) غير عابئ بما يلصق به من إتهامات. من جانب ثاني، فإن مبارك دائماً ما يسافر الى واشنطن موحياً للجميع انه مطلوب هناك لمهام وفعاليات مهمّة، وكلنا يتذكر كيف أن الرجل وفى خضم شراكته مع الحكومة السودانية قبل سنوات، وكان يشغل منصب مساعد الرئيس وقتها، حاول السفر الى واشنطن وظل يلح علي مقابلة الرئيس لهذا الغرض دون جدوي حتى تسبّب الأمر فى إنفجار علاقاته بالحكومة السودانية فيما بعد، وخرج منها خاوي الوفاض. إذن للرجل حسابات يجريها فى ذهنه هو وحده كلما (ضاقت به) الأمور ويحرص على التظاهر، أو التفاخر -كليهما صحيح- بأنه يسند ظهره علي واشنطن. من جانب ثالث، هنالك تصور لم يتضح بعد لمبارك نفسه مدي صحته، فحواه أن الأمور حينما تبدو معقدة فى المشهد السياسي العام فى السودان فهو الوحيد القادر على الحل؛ ومن ثم فإن أوراق لعبته بكاملها.. هنالك فى واشنطن! من جانب رابع وأخير فإن مبارك ينسي أن تحركاته هذه محسوبة لدي الأمريكيين أنفسهم ويهدفون منها الى أهداف أبعد ما تكون عن خياله الخصب ولكن لا يضير واشنطن رغم كل ذلك أن تجعل الرجل يشعر بوزنه لديها طالما ملأه هذا الشعور الطاغي!