بعد سفره مؤخراً الى الولاياتالمتحدة متذرعاً بالمشاركة فى ندوات بمعهد السلام الأمريكي فى واشنطن كشف مبارك الفاضل أحد أكثر الشخصيات السودانية المعارضة برجماتية وذرائعية عن وجه لا نقول جديداً ولكن مستحدثاً بغرض تسويق نفسه، أو هكذا بدت الأمور له من هناك ليكون رجل السودان المنتظر! كل تحركات الفاضل التى أتيح له أن تظهر فى وسائط الاعلام دولياً ومحلياً، تشير الى ان الرجل يفعل الإثنين معاً؛ يمنِّي نفسه بالسلطة، ويكيل التُهَم والسباب السياسي للكل، حكومة ومعارضة ونخبة سياسية! اللغة الأخيرة التي تحدث بها مبارك الفاضل فى ندوة بمعهد مانسشتر فى السادس من إكتوبر الجاري لغة مستحدثة، أو فلنقل مصطنعة؛ ما ترك الرجل فيها حزباً سياسياً سودانياً لم يهاجمه ولا إستثنى نخبة من النخب إلاّ وعاجلها بلكمة سياسية حتى وصل الرجل -دونما شعور منه- الى تحميل وزر إنفصال جنوب السودان للجميع حاكمين ومحكومين. ففي هذه النقطة المفصلية فقط، وهى تحميل وزر انفصال الجنوب للجميع، تكمن كل خفايا لعبة الرجل الخطرة بالبيضة والحجر دون أدنى شعور بالخطورة، فقد تجلت فى هذه النقطة ذروة نرجسية مبارك الفاضل وشعوره المتعاظم بأنه (البريء الأوحد) فى الساحة السياسية السودانية قاطبة، وأن الأمور كلها من المفروض ان تعود الى طبيعتها وتبدأ منه هو! قبل أشهر قلائل كان الرجل يكيل الاتهامات من علي هذه الشاكلة للحكومة السودانية ويحمِّلها كل الأوزار، يبالغ فى وصمها بشتى النعوت والصفات السيئة، ويمالئ بعض القوى المعارضة، يتحالف معها ثم ما يلبث أن يفض تحالفه ليبحث عن تحالف آخر. الآن إنعقد تحالف الفاضل رسمياً على العامل الامريكي، ويبدو أنه فضّل وضع كل البيض هناك فى السلة الامريكية وحدها، ومما لا شك فيه أن لقاءاته وإجتماعاته الهامسة المطولة مع قادة وكالة المخابرات المركزية أعطته قدراً من الثقة فى نفسه لكي يسب الكل ويبرئ نفسه، ويقلل من شأن الكل لينفرد هو وحده بوزن سياسي خاص. إن أحداً لا يمكنه ان يشك لحظة أن مبارك الفاضل يبدو (كالموعود) بشيء وهو شديد الثقة فى الأمريكيين على الرغم من أنهم هم فى المقابل لم يعودوا يثقون فيه، منذ أن مرّغ أنفهم فى ضرب مصنع الشفاء بضاحية الخرطوم بحري فى اغسطس 1998 فى عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلنتون. كانت تلك كبوة مبارك التى لم يستطع إحتمال نتائجها أمريكياً ولا الصبر على تبعاتها سودانياً، فقد وضع نفسه – كشأن عملاء المخابرات دائماً – ما بين شقيّ الرحى، إستعدى الأجانب على بلاده فضربوها، ولكنه لم يكن صادقاً مع الأجانب فى معلوماته الاستخبارية وإكتسب لعنة بني وطنه لعمالته! إن حرق الرجل لمراكبه مع قوى الأحزاب الأخري لا يمكن فمهه إلاّ فى سياق أنه بات لديه (حليف أقوى) افضل منهم لا يخشى شيئاً طالما أنه معه. كما ان معاودته الحديث عن إنفصال جنوب السودان فى هذا التوقيت بالذات بعد أن بدأت مياه علاقات البلدين تجري فى مجاريها الطبيعية، هى محاولة دون شك لإستعداء النخب والأحزاب ضد بعضها، وربما نسي مبارك مؤتمر القضايا المصيرية فى أسمرا عام 1995 الذى كان يومها هو نجمه والذى قرر منح جنوب السودان حقه فى تقرير مصيره، أو ربما نسي مبارك الفاضل إنفراد الحركة الشعبية وهى عضو فى ما كان يُعرف بالتجمع الوطني بالتفاوض مع الحكومة السودانية غير عابئة ببقية رفاقها فى التجمع. نسي مبارك أو تناسى كل ذلك لأنه الآن يرقد على وسائد ناعمة فى واشنطن وتطوف عليه فى نومه الهانئ أحلام السلطة فى السودان وهو ليس فى حاجة لهذا الحزب أو ذاك، وتكفيه ثقة الأمريكيين فيه.