لعل من دواعي الدقة، القول إن ما شهدته حركة العدل والمساواة مؤخراً من إقصاء لرئيسها جبريل إبراهيم وتعيين مجلس عسكري إنتقالي ليس مجرد تغيير فى القيادة أو إنشقاق كشأن الحالات المماثلة التى باتت معروفة فى العديد من الحركات الدارفورية المسلحة. ما حدث هو إنفجار بكل ما تعنيه الكلمة، ظلت عناصره تتفاعل فى صمت منذ سنوات. بل يمكن القول انه وعلى الرغم من الميزات القيادية الجيدة التى عُرِفت عن زعيمها خليل فإن الانفجار – حتى مع إفتراض وجوده حتى الآن – كان محتماً وراجحاً لا محالة. فقد أنشأت الحركة فى الفترة التى تزعمها فيها د. خليل ابراهيم على أساس أسري اذا جاز التعبير، وبدون ان نفصِّل ونسهب فى هذا الجانب دعونا فقط نكتفي بأسطع دليل على هذا الاساس الأسري بخلافة جبريل ابراهيم، شقيق خليل، له فى قيادة الحركة. من النادر فى مثل هذه التنظيمات المسلحة ان يسمح النظام الأساسي ولوائح العمل – إن وجدت – بهذا القدر المريع من العنصر الوراثي فى القايادة. كما أن غالب المناصب المهمة فى الحركة يتولاها إما أشقاء خليل أو بني عمومته. وقد أدي هذا الوضع الى سيطرة العامل الإثني سيطرة تامة على كل أدبيات الحركة وقاد هذا بدوره الى سيطرة أسرة خليل على الشأن المالي بحيث لا يمكن لأيّ قيادي من خارج الأسرة معرفة الوارد والصادر وكيفية إنفاق الاموال. وقد حدث فى العام 2008 أن أثيرت هذه القضية فى حياة خليل وواجه الرجل تحديات لسلطته وُصِفت حينها بالخطيرة ولكن خليل وبروح المغامرة التى عرفت عنه إستطاع ان يتجاوز المعضلة بالدخول في عدد من المغامرات العسكرية جري تتويجها بهجومه الفاشل الشهير على أم درمان فى العاشر من مايو 2008م. فعل الرجل حينها ما لم تفعله أىّ حركة مسلحة فى دارفور حين حاول إجتياح العاصمة السودانية؛ وكانت المحاولة وروح المغامرة التى جرت بها كافية ليعم الصمت أرجاء الحركة وتغيب الانتقادات ولو إلي حين. وحين تأزّمت الأمور بعد ذلك وأغلقت تشاد أبوابها فى وجه الحركة عقب البروتوكول الأمني الموقع بين الخرطوم وأنجمينا فإن خليل مضي قدماً الى طرابلس باحثاً عن أكبر قدر من المال والسلاح ليؤسس به إمبراطوريته المسلحة. كانت تلك ذروة روح المغامرة لدي الرجل الذي كان يأمل فى ان يتمكن - بالمال والسلاح الليبي - من توسيع نطاق الحركة وإسكات الأصوات المنتقدة له داخل الحركة. لكن القدر لم يمهل الرجل ليفعل، وتولّت أسرته – أشقاؤه وبني عمومته – توزيع التركة فيما بينهم فى صمت وجرأة أثارت الحنق فى نفوس قادة الحركة. من أهم الأسباب على الثورة على جبريل أنه ترك كل شيء لأشقائه وأبناء عمومته، وترك لهم الميدان نفسه، والتخطيط، وعقد التحالفات، وتحول جبريل مؤخراً الى مجرد (مقاول سياسي) يعقد التحالفات ويتعهّد بالقيام بالأنشطة العسكرية بعيداً عن الميدان وبدون مقابل! كان الرجل يحث القادة على القيام بعمليات عسكرية صعبة دون أن يتكبد عناء المجيئ الى الميدان أو معرفة الظروف والمعطيات، وكان أن فوض أشقائه على (التخلص) من كل ما يعيق الحركة مهما كانت قيمته، ونُفِذت عشرات عمليات الإعدام الميدانية بقسوة، ولأتفه الأسباب أوصلت الجميع فى النهاية الى ضروة الخلاص. ولهذا كان المسئولين البريطانيين الذى إلتقوا المستشار المسئول للحركة فى لندن (أحمد حسين آدم) حريصين على إبلاغه بالإنتهاكات الحقوقية الخطيرة التى إرتكبتها حركته وكأنهم كانوا يعدِّدون له أسباب ما جري أو يبررونها، وفى الوقت نفسه يؤكدون له أن الأمر فى الواقع قد إنتهي !