فى الأنباء ان جبريل ابراهيم وحال إقصاؤه من زعامة حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة مؤخراً سارع بالذهاب الى العاصمة الجنوبية جوبا طالباً مساعدة الحركة الشعبية الحاكمة هناك فى إستعادة حركته. الزيارة التى حرص جبريل على إبقائها سرية إصطحب معه فيها (من تبقي) من قادته أمثال أخيه غير الشقيق عوض عُشَر، وأحمد آدم بخيت، ومنصور أرباب، وحفنة ممن يتولون حراسته الشخصية. وتشير مصادر سياسية عليمة فى جوبا ان جبريل إستأذن القادة الجنوبيين فى المجيئ اليهم (لبحث التطورات الخطيرة فى حركته). غير أن جبريل ورغم حصوله على الإذن بالحضور، إرتكب جملة أخطاء سياسية قاتلة كانت كافية فى نظر العديد من المراقبين لإهالة التراب على محاولة معالجة الوضع المتأزم داخل حركته. ولعل أكبر خطأ وقع فيه هو المسارعة لإلقاء اللائمة جراء ما حدث على الرئيس التشادي إدريس ديبي والحكومة السودانية! إذ أنّ مجرد البحث عن (شماعة) لتعليق الحدث عليها فى هذا الظرف المفصليّ الحرج يعني أن الرجل لا يعترف بأخطائه التى تسببت فى ما حدث؛ فلو أنه لزم الصمت الى حين البحث عن (مساعدة) أو أنه أقرَّ بوقوع أخطاء أفضت الى ما أفضت اليه لسهّل ذلك إمكانية الحل، مع أنّ الحل بات يتلاشي فى كل ثانية تمر وليس أدل على ذلك من تلقي مستشاره فى لندن أحمد حسين آدم لتوبيخ علني وإنتقاد حاد من جانب المسئولين البريطانيين وصل الى درجة إتهام جبريل ومجموعته بالتعامل بالصفات العنصرية وتغليب ذلك على أىّ عنصر آخر فى تولي القيادة. ومن المؤكد ان أخطاء جبريل ومجموعته معروفة وموثقة لدي جهات عديدة، ولو كانت هذه الجهات حريصة على معالجة هذه الأخطاء وحريصة على بقاء جبريل فى القيادة لعاونته منذ زمن على معالجتها والحيلولة دون تفاقم الاوضاع لتصل ذروتها بإقصائه من القيادة بواسطة أبرز وأهمّ قياداته. الخطأ الثاني الذى إرتكبه جبريل هو مسارعته للبحث عن حلول فى الخارج! فالمفروض ان الرجل هو زعيم حركة تُوصَف بأنها قوية وبالتالي كان عليه ان يواجه ما جري (فى الميدان نفسه) وفى ذات التوقيت. أمّا وقد لجأ الى (جهة خارجية) تاركاً الأمور تتفاعل من ورائه وتزداد إحتداماً فإن معني ذلك ان الرجل ترك (الفيل) وإبتعد هناك ليطعن فى ظله! وهى نقطة أدركها بسرعة القادة الجنوبيين وحسبوا لها حساباتها ولم يعد أمامهم سوي مسايرته الى أن يتسع نطاق الأمر الواقع ويعتذون له بلباقة أن الأمر (خرج عن السيطرة تماماً)! إن قائد حركة مسلحة يفشل فى مواجهة ما يدور بداخلها ويركِّز على الحلول السهلة من الخارج ليس جديراً بقيادتها، ومن المؤسف أن الرجل لم يدرك ذلك حتى الآن. الخطأ الثالث، أن جبريل حينما أقحم تشاد فى الموضوع أفسد الأمر كله وأبانَ غباؤه السياسي بجلاء، فتشاد فى المحصلة النهائية ليست طرفاً حليفاً ولا معادياً، وخرجت من اللعبة منذ سنوات بعد أن وقعّت مع السودان بروتوكولاً أمنياً رسخ أمناً حدودياً ممتازاً بين البلدين، وبالتالي فإن من يمنح تشاد كل هذه القدرات الأشبه بالقدرات الخارقة هو دون شك ليس سياسياً البتة! وهكذا، فإن جبريل منذ البداية فقدَ كل عناصر اللعبة ولهذا فإن من الصعب ان تولي جوبا أدني إهتمام بملف الحركة؛ وهى إن فعلت فإن ذلك بالطبع ليس بغرض إعادة المُلك السليب لجبريل، ولكن لأغراض سياسية أخري تتصل بكيفية ترك الحبل متصلاً بينها وبين القادة الجُدد.