لم ينج إلاّ القليل، والقليل جداً من قوى المعارضة السودانية من حملات التجنيد الطوعي والإجباري فى أجهزة المخابرات الدولية المختلفة. كان آخر مجند كشفت عنه وثائق يوغندية سرية للغاية، مني أركو مناوي، فقد قَبِل الرجل بأن يكون جزءاً من منظومة إستخبارية أوكلت إدارتها إقليمياً الى الرئيس اليوغندي يوري موسيفي بالتعاون مع الرئيس الجنوبي سلفا كير ميادريت. مناوي كان أقصي ما طلبه مقابل تجنيده، دعم حركته وتغذية حسابه المصرفي فى كمبالا، وهو ما تم بالفعل ولهذا فإن الرجل من المستحيل أن يرضخ لعملية سلام أو اتفاقية سلمية مع الحكومة السودانية. لقد تغيرت إتجاهاته تماماً ولم يعد يملك قراره. من المجنَّدين حديثاً أيضاً بشير آدم رحمة أحد مسئولي حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور الترابي، وقد بلغت براعة الرجل الاستخبارية أنه يتردد على بعض السفارات الأجنبية - نهاراً- فى سياق عمل سياسي مكشوف الغرض منه تغطية العمل السري الخطير. بشير آدم رحمة شوهد غيرما مرّة بالقرب من سفارات غربية معروفة، ومن المؤكد أن الرجل يعرف ذلك ولكنه فى الوقت نفسه يراهن على ذكائه وقدراته، وهى قدرات بحسب معرفتنا بالرجل محدودة للغاية لا تصلح للمراهنة ولا بد أن يحين أوان في يوم ما يوقع الرجل فى مأزق وطني كبير. أما من استطاع الرئيس الجنوبي سلفا كير ميارديت وضعهم على أولي عتبات التجنيد فى العاصمة الجنوبية جوبا، فهو أحمد آدم بخيت، أحد قيادات حركة العدل والمساواة الدارفورية المتمردة، وقد نجحت عملية تجنيده الى حد أن الرجل تغيّرت رؤاه ومنطلقاته الفكرية تماماً من شاب يتبنّي الطرح الفكري الاسلامي الذى على أساسه ولج لحركة العدل والمساواة الى (جندي) ضمن جنود الجيش الشعبي الجنوبي وذو صلة متواصلة مع الأمريكيين. متابعات (سودان سفاري) أفادت بأن الرجل إلتقي حوالي 103 مرة بعدد من المسئولين الامريكيين فى جوبا وكمبالا وفى منطقة اللير. وقد تصاعدت فى هذا الصدد حدة خلافاته مع زعيم العدل والمساواة جبريل ابراهيم فى سياق محاولة السيطرة على الحركة وإقصاء جبريل عنها تحت مزاعم أن جبريل ظل بعيداً جداً عن أحوال القادة الميدانيين فى الحركة وعاجز عن جلب الدعم للحركة. أحمد آدم يجري إعداده داخل أروقة المخابرات الغربية ليتسلّم قيادة العدل والمساواة بطريقة مرحلية بطيئة للغاية لا تلفت الأنظار، إذ يبدو أن المخابرات الغربية تراهن على نجاحها فى تحويل دفة الحركة من حركة ذات خلفية إسلامية تقترب جداً من المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي، الى حركة ذات منحي علماني بعيدة تماماً عن تأثير الزعيم الترابي حتى يتسنّي استخدامها لصالح أطراف خارجية وحتى لا يستفيد منها الترابي بإعتباره كان فى يوم ما جزءً من منظومة السلطة الحاكمة، وكان ولا يزال عدواً لدوداً للغربيين. هناك ايضاً نصر الدين الهادي المهدي، الذى كانت ضمن حلقات ومراحل تجنديه، رحلة مجهولة الى واشنطن، قام بها مؤخراً وتعرّض خلالها الى تجاهُل تام من مكتب الحركة هناك وأغلق مالك عقار هاتفه فى وجهه ورفض التحدث معه، وتابعه عملاء المخابرات هناك (بعيون مدربة وخبيرة) ليقفوا على افضل مهارة متوفرة لديه ليقرِّروا بعدها فيمَ يوجهونه، وفى ماذا يستفيدون منه! التوم هجو بحسب المتابعات لم يحدث نجاحاً يذكر، فقد وجد أن مستوي ذكاؤه (دون الوسط) وأنه (إنفعالي) ولديه غرام خاص بالمال والسهر وأندية الرقص والمسامرة. وفيما يخص الأخيرة (أندية الرقص والمسامرة) فإن الرجل تُرك له العنان ليعُب كما يحلو له من ما توفر من أندية وحانات فى واشنطن حتى الثمالة، ولكن لم يكن ذلك ليفيد الذين ينتظرون الاستفادة منه؛ فهو خامل وشديد النزوع الى السكون والخلود الى الراحة. ويقول قريبون منه إنّ إحباطه الشديد من فشل عمليات ما يسمي بالجبهة الثورية يدفعه للبحث عن ملاذ آمن ولكن دون جدوي، فقد سقط الرجل فى براثن عملاء المخابرات المدرَبين ومن المستحيل أن يتركوه وشأنه مهما كان ذكاؤه متواضعاً. وهكذا، فإن أعداد الذين يسقطون كل يوم فى شباك المخابرات الغربية ويصبحوا جنوداً فيها فى تزايد، وهم بعد أن يسقطوا يكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم لم يعودوا قادرين على فعل شيء؛ فلا هم قادرين على التراجع والعودة الى الداخل، ولا هم قادرين على الإستمرار بالطريق التى يروا أنها تناسبهم!