كمال عمر عبد السلام القيادي بالشعبي، وبعد أن قلل من أهمية إتفاقية التعاون المشترك الموقعة حديثاً بين جوبا والخرطوم وتنبأ بفشلها كعادته ثم عرج على ضرورة إسقاط النظام وتغييره بلغ ذرووة تناقضه وسطحية أطروحاته المعروفة بالمطالبة بالتفاوض مع قطاع الشمال! إذ أنّ السؤال الهام الذي سيطرح نفسه هاهنا - فقط فى هذه النقطة - هو ما الحاجة الى التفاوض مع قطاع الشمال، اذا كانت من تسمي نفسها قوى الإجماع الوطني - والشعبي من أهمّ مكوناتها، تستعد للإطاحة بالنظام وإسقاطه؟ بمعني آخر أكثر وضوحاً، هل تركت قوى الإجماع استراتيجيتها الهادفة الى اسقاط النظام ولهذا دعت الى التفاوض مع قطاع الشمال؟ إن الأمر يبدو غريباً للغاية، فقد كان كمال يمنح القطاع- من عنده هو- وزناً سياسياً كبيراً، والأغرب أنه يعزي هذا الوزن إلي ما أسماها (صلاته الإقليمية والدولية)! لو كان صحيحاً أن القطاع له وزن سياسي كالذي يقول به كمال عمر لما إحتاج هو بالذات لتذكير الحكومة السودانية بذلك؛ فالتذكير إنما يتم فى حالة محاولة إقناع الطرف الحكومي بأهمية القطاع والحكومة السودانية دون شك هى الأكثر دراية بطبيعة القطاع ودرجة وجوده ووزنه السياسي لأنها دخلت معه فى مواجهة عسكرية إبتدرها هو فى جنوب كردفان والنيل الارزرق ولم يستطع إحتمال كلفتها؛ كما لم يقوى على الصمود وركن إلى الحل السهل باللجوء الى مندوبة الولاياتالمتحدة فى مجلس الأمن والتى أقحمت التفاوض معه في متن القرار 2046 بحيث يمكن القول إنّ التفاوض مع القطاع – وهذا أمر مخجل بالنسبة له – ما كان سيتم لولا وروده فى صلب القرار 2046. وبالطبع لو كان للقطاع الوزن الذى يراه عمر هذا، لفرض القطاع التفاوض معه عبر مدى مدافعه فى الميدان فقط، وليس عبر أيّ طريق ملتوٍ آخر، أو بالإستقواء بآخرين. هذا من جانب؛ من جانب آخر فإن القطاع ظل على حاله الراهن وأسوأ منه طوال فترة الانتقال الممتدة من العام 2005 وحتى العام 2011 ضعيفاً زاخراً بالخلافات والمشاكل، ما الذى إستجدَّ الآن لكي يمنحه كمال هذا الوزن؟ بل لندع كل ذلك ولنتساءل عن سر صمت كمال وقادة الشعبي وبقية ما يسمي بقوى الاجماع عن قرار الحركة الشعبية عشية الاستحقاق الانتخابي فى ابريل 2010 حين قررت قيادة الحركة حينها إقصاء عرمان عن الترشيح للرئاسة؟ لقد كان لهذا القرار المفاجئ وقع الصاعقة ليس على عرمان وحده لكن على كل قادة المعارضة حينها ؛ ليس تضامناً مع عرمان والقطاع ولكن لأنّهم كانوا يمشون وراء عرمان ويعتبرونه هادياً لهم، ولهذا وحالما فقد عرمان وجهته، فقدوا هم أيضاً وجهتهم وضاعوا! إن قوى المعارضة السودانية ظلت على الدوام تقيم تكتيكاتها على عوامل متحركة وغاضمة ولزجة. وهذا هو السبب الذى ظل يجعلها وبإستمرار فى خانة الضعيف الخائر غير القادر على الفعل الايجابي. فى السابق كانت خيارات المعارضة متعددة وعالية الجدوى والجودة، ونعني الفترة التى إمتدت من توقيع إتفاق نيفاشا 2005 وحتى الاستحقاق الانتخابي 2010م. كانت تستطيع أن تتحالف مع قوى حية وتخوض التجربة بإرادة وتصميم وإن لم تنجح كان بوسعها ان تعمل فى المجال الوطني الرحب مركزة على القضايا الوطنية الكبرى سواء فى قضية العمل السياسي المعارض بالتخلص من السلاح ودعم المتمردين؛ أو على صعيد تقنين الدستور الدائم، أو تقرير مصير جنوب السودان أو إهتبال فرصة حكومة القاعدة العريضة التى ظل الوطني يدعوهم لها أشهراً وأسابيع طوال. لقد أهدرت قوى المعارضة كل هذه الفرص وظلت تتفرج على المراحل المختلفة التى يتم تدشينها وهى تمنِّي نفسها بمستقبل آتٍ لا تعرف كيف ومتي يأتي. والآن وحين نجحت الحكومة فى حلحلة خلافاتها مع جوبا وبدأت علاقات جيدة، طار ما تبقي من أفكار المعارضة ودهتمها خشية خطيرة من أن تكون هذه آخر المحطات التى عليها أن تنزل فيها وجيبها خاوي، وفكرها مشتت ومستقبلها مظلم . لقد أفسدت قوى المعارضة كل خيارتها وما تبقي لها سوي خيار اللا خيار المتمثل فى الدعوة للتفاوض مع قطاع الشمال.