إذا صح أن واشنطن قامت بإستدعاء قادة قطاع الشمال وعملت على تليين موقفهم -ترهيباً وترغيباً- كما قالت بذلك بعض المصادر المطلعة مؤخراً فإن السؤال الذى ظل يبحث عن إجابة منطقية هو: لماذا إذن ومن الأساس أقحمت واشنطن موضوع القطاع فى القرار 2046 لتسير المفاوضات فى أديس أبابا جنباً الى جنب مع مفاوضات القضايا الخلافية بين دولتيّ السودان وجنوب السودان؟ اذ أننا لسنا فى حاجة للقول ان مندوبة واشنطن فى مجلس الأمن (سوزان رايس) هى التى تولت صياغة القرار 2046 وحصرت -غاية الحرص- على وضع بند التفاوض مع قطاع الشمال ضمن بنوده الرئيسية! ربما كان الأمر يدخل فى سياق إثارة الجدل، وخلق إرباك فى عملية التفاوض، أو أن القطاع بالنسبة لدولة جنوب السودان ورقة مهمّة تود أن تكون حاضرة على المائدة بإستمرار. أو ربما هذا وذاك؛ غير أن عملية التفاوض مع القطاع علي أية حال لن تقود الى شيء، فإذا كان الامر متعلقاً بالقضايا العالقة بين جوبا والخرطوم وما تبقي من إتفاقية السلام الشاملة (نيفاشا 2005) فإن موضوع التفاوض – بداهة – لن يتجاوز المنطقتين، جنوب كردفان والنيل الازرق، ففي هاتين المنطقتين هناك فرقتين من فرق الجيش الشعبي 9 و 10 فى حاجة الى معالجة بصورة من الصور، عوضاً عن قضايا المشورة الشعبية وبعض القضايا الانسانية جراء الحرب التى إندلعت مؤخراً. وحتى فى هاتين المنطقتين، فإن ما يسمي بقطاع الشمال لا يُعد هو الفصيل الأوحد الى تنبغي محاورته والتفاوض معه، فهو دون شك – لو تم إعتباره تجاوزاً – جزء من المنطقتين أياً كان الوزن الذى يُمنح له، لا يُعتَبر هو وحده من يمثل المنطقة، فهنالك قطاع عريض للغاية من أهل المنطقة بكل قواهم السياسية ومنظمات المجتمع المدني يُعتَبروا طرفاً رئيسياً مهمّاً فى المفاوضات. أما إذا كان الأمر يتعلّق بقضايا السودان الشاملة، وبقية أقاليمه ومناطقه فهذا الأمر يخرج عن نطاق إختصاصات القطاع حتى ولو إدّعي انه موجود فى كل السودان، وفوق كل ذلك، فإن القرار 2046 هو نفسه وفى البند الذى أُشِير فيه الى القطاع والتفاوض معه لم يمنح القطاع حق مناقشة كافة قضايا السودان وكأنّه الحركة الشعبية الأم فى نيفاشا 2005. فإن كان واضعِي القرار يقصدون ذلك - أى إضفاء صفة الشمول على القطاع - ومقاربته بالحركة الأم أيام المفاوضات فى نيفاشا وعلى ذات النهج والغرار، فإن الأمر يبدو مستحيلاً تماماً بكل المقاييس. ولعلّ من المهم هنا أن نشير الى أنَّ إيجابيات البند الخاص بالتفاوض مع القطاع تبدو مرجّحة على سلبياته؛ ففي الوقت الذى كان فيه القطاع يعتقد أنه قادر على المواجهة العسكرية وجرّب العمل العسكري مراراً، فإن التفاوض كشف وزنه الحقيقي فهو لا يتعدّي ثلاثة أو أربعة أشخاص على أحسن تقدير. الإيجابية الثانية ان القطاع الذى ظل يعطي نفسها هالة إعلامية ضخمة وسط بقية القوي السياسية المعارضة، خسر هذه القوى تماماً كما فعلت الحركة الأم فى نيفاشا 2005 حين تخلّت عن تجمع المعارضة وجلست للحكومة السودانية. من المؤكد أن قوى المعارضة الآن لا تريد ان يجلس القطاع للتفاوض، وإن جلس ألاّ يخرج بشيء يتجاوز المنطقتين، وإن فعل ألاّ يتجاوز وزنه الحقيقي!