فى وقت وجيز للغاية إستطاعت السلطات السودانية أن تضع يدها على الجناة الذين نفذوا حادثة إطلاق صواريخ على مدينة كادوقلي، والذين إرتكبوا جريمة إغتيال عدد من أفراد اليوناميد فى الجنينة وبولاية غرب دارفور قبل ما يجاوز الأسبوع. ففيما يخص حادثة كادوقلي فقد أشارت أنباء واردة من كادوقلي – أمسية الثلاثاء الماضي – الى وضع السلطات الأمنية بالولاية يدها على خيط هام للغاية قاد بدوره لكشف خلية يُعتقد أنها المسئولة عن الهجوم. وأما فيما يخص حادثة اليوناميد فإن التحقيقات المكثفة التى تمت وضعت السلطات هناك على أولي عتبات الوصول الى الجناة والتى يبدو أنها فقط مسألة وقت. ومن المؤكد ان أول ما يُستخلص من هاتين النتيجتين، أولاً: إن السلطات السودانية تحكم سيطرتها على المناطق التى وقعت فيها الحادثتين. وإحكام السيطرة هنا لا نعني به - كما قد يعتقد البعض خطأً - منع وقوع الحوادث، فالحوادث بهذه الشاكلة تقع حتى فى أكثر البلدان تحضراً ويقظة، ليس لتقصير أو إهمال ولكن هذه هى طبيعة الاشياء وفق السباق المعروف ما بين الجريمة والقانون، فالجرائم تقع رغم كل شيء ولكن العبرة فى هذه الحالة بالوصول الى الجناة ومحاسبتهم لترسيخ عنصر المنع وتقويته حيث سيتردّد الكثيرون ممن تواتيهم الرغبة فى ورود ذات المورد. كما نعني بإحكام السيطرة -وهذه نقطة مهمة للغاية- القدرة على التحرك السريع وجلب الجناة. ففي كل مرة يحدث فيها شيء من هذا القبيل تتناقص وتقل فرص إمكانية وقوع متتابع لحوادث أخري. ثانيا: إن تكتيك الضرب والهرب وتحاشي المواجهة لم يعد مجدياً، فهو فى النهاية يصِم الجناة بوصمة الجبن وإستهداف الأبرياء، وهذه فى حد ذاتها تكفي للوقوف على طبيعة هؤلاء الجناة وطبيعة الذين يقفون وراءهم، فهو محض عمل تخريبيّ إرهابي لا صلة له البتة بأيّ عمل سياسي كما قد يتوهم البعض. ثالثاً: النتيجة النهائية لمثل هذا المسلك الاجرامي أنها تحول أصحابها من مدَّعي مطالب سياسية أو متمردين الى قتلة أبرياء ومستهدفي مدنيين من النساء والأطفال، تماماً كما حدث للحركات الدارفورية المسلحة من قبل، وهذا كفيل وحده بسحب (ما تبقي) من بساط تحت أرجل ما يسمي بقطاع الشمال فى المنطقة. إن تكتيك الضرب واستخدام المدافع وسط المدن لن يكون مجدياً لخلق وزن سياسي لما يسمي بقطاع الشمال فالحرب – إن كانت حقاً حرباً – ميادينها معروفة وأدواتها معروفة ولا تحتاج سوى لرجولة وإرادة على الصمود وإحتمال المسئولية والمترتبات. إن تراجع حملة السلاح شيئاً فشيئاً من موقف المنادي بقضية سياسية الى موقف العدو للجميع بما فى ذلك النساء والأطفال هو دون شك لأمرٌ مريع ومخجِل، وهو يوصد الباب فى الواقع أمام أية إمكانية للتفاوض والحوار، وحتى لو حدث تفاوض وحوار بعد هذه التطورات فإن من المستحيل تماماً أن يجد قادة القطاع ما يتطلعون اليه حتى ولو فى حدِّه الأدنى. هناك أبعاد غائبة عن أنظارهم، وهى أبعاد جماهيرية تخص أهل المنطقة، وابعاد أخري تخص المجتمع الدولي الذى ظل على الدوام ينتقد تعريض المدنيين للخطر، وهناك أبعاد خاصة بدولة جنوب السودان التى ما عات قادرة على إحتمال فعل شيء مماثل ضدها على كثرة متمرديها وكثرة أعدائها من بني جلدتها. إن من سوء حظ الجناة انهم إختاورا فقط ساعة إلتئام شمل أهل المنطقة بغرض معالجة قضاياهم، فإذا بالذين يزعمون أنهم هم الذين سيعالجونها يسهمون فى ترويعها ومحاولة شل الحياة والاستقرار فيها! على ما يسمي بقطاع الشمال ان يبحث عن إستراتيجية أخري تقربه الى أهل جنوب كردفان، فقد خسر القطاع آخر ما تبقي له وما عادت تنفعه مثل هذه التكتيكات الخائبة.